الصفحة الرئيسية سجل الزوار راسلنا
» الرواية الاولى لشهادة الامام الجواد ع  




السؤال 

تفضلتم بأن "الطب يعالج أو يبحث في الإنسان لا بدن الإنسان"
كيف يطبِّق الطبيب هذا الأمر تطبيقاً فعلياً؟... وهل يفضّل أن يكون الطبيب فيلسوفاً حتى تحصل له هذه النظرة الأوسع؟

شخصيا ... ننوي أن نحصل على الأمرين الطب والفلسفة فما رأيكم بهذا؟ وكيف لنا بلوغ ذلك؟

جواب  :

هذا السؤال يتضمّن أموراً ثلاثة:

الأوّل: سعة علم الطب لجانبي الإنسان الروحي والجسدي.

الثاني: هل مِن الأفضل أن يكون الطبيب فيلسوفاً؟

الثالث: كيف يُمكن أن يُصبح الطبيب فيلسوفاً؟

والإجابة تكون على هذه الأمور الثلاثة:

الشِّقّ الأوّل: سعة علم الطب لجانبي الإنسان الروحي والجسدي.

إنّ بعض العلماء عندما يتحدّث عن موضوعات العلوم باعتبار أنّ كلَّ علم لابُدّ له مِن موضوع يبحث عنه، وتتركّز مسائله عليه، فذكروا أنّ علم الطب موضوعه بدن الإنسان، إلاّ أنّ الصحيح أنّ الطبيب لا يبحث فقط عن بدن الإنسان مِن حيث الصحَّة والمرض فقط وإنّما يبحث أيضاً عن أمراضه النفسية والتي هي ليست عضوية فلا تكون داخلة في البحث عن بدن الإنسان، بل هي بحث عن عوارض نفسه مِن حيث الصحّة والمرض، بل إنّ الطب في استعماله الشامل يشمل البحث عن بدن الحيوانات أيضاً ولذا يُعدّ البيطري طبيباً.

فالطبيب - على اختلاف تخصصاته - في النتيجة هو المعالج للإنسان والحيوان.

ولا يعني ذلك أنّ كلّ طبيب يُعالج الإنسان والحيوان بل هذا راجع إلى اختصاصه، كما أنّه ليس كلّ طبيب يُعالج كلّ حالة مرضية عند الإنسان فإنّ هناك اختصاصات وكلّ طبيب إنّما يحقّ له العلاج في حدود تخصصه، لأنّه بالنسبة للاختصاصات الأخرى شأنه شأن غيره مِن الجُهّال الذين لا يجوز لهم ممارسة مهنة الطب.

الشِّق الثاني: هل مِن الأفضل أن يكون الطبيب فيلسوفاً؟

لا شكّ أنّ مَن يجمع أكثر مِن علم وأكثر مِن اختصاص هو أفضل مِن غيره في الجملة، ولكن كثيراً ما يكون التعدد في الاختصاصات يؤثِّر بعضها على بعض، فالطبيب عندما يتخصص في أكثر مِن تخصص فإنّ جهوده وإمكانياته تتوزّع بين أمرين أو أكثر، أمّا إذا بذل كلّ إمكانياته وجُهوده في تخصص واحد وتابع البحوث العلمية باستمرار، وبحث عن أفضل السُبل في مجاله للوصول بمريضه إلى أفضل الحالات فلا شكّ أنّه يكون أقرب إلى الإبداع، وبالخصوص في زماننا هذا الذي تشعّبت فيه العلوم واتّسعت حتّى علم الطب له مِن التخصصات وتخصصات التخصصات الكثيرة التي لو أراد شخص أن يدرسها فقط لانقضى عمره دون أن يُنهي دراسة علم الطب بكلِّ تخصصاته.

فمتى سيعمل؟ ومتى سيُفيد المُجتمع؟ ومتى سيكون له تجربة عملية تصقله وتؤهله للوصول في واحد مِن تخصصاته إلى الإبداع؟

لا شكّ أنّ عمر الإنسان العادي القصير لا يستوعب كلّ ذلك مهما بلغ مِن النبوغ والذكاء والحافظة مبلغاً كبيراً.

ولا يُقاس زماننا بالأزمنة التي كانت فيها العلوم محدودة، فعلم الطب كان لا يتجاوز اختصاصين وهما الطب البيطري والطب البشري، وقراءة كتاب واحد أو كتابين بإمعان عنّد مُدرِّس قدير قد يحصل على علم الطب البشري كلّه في فترة لا تتجاوز بضع سنين، لأنّ العلم كان في بداياته ومحدود جدّاً بأمور بسيطة معدودة.

نعم يُنصح بوجود الثقافة في شتّى العلوم، كما هو ديدن الدراسات الجامعية فإنّ الطالب يدرس أموراً قد لا تكون مِن اختصاصه، ولذا يقولون أنّ هذه المواد تخصصية وهذه مواد عامّة ليست تخصصية.

ولا يُمكن أن نقيس أنفسنا بحُجج الله على خلقه وعيبة علمه وخُزانة أسراره فإنّ لهم مِن الإمكانيات والاستعدادات والفيوضات ليست لغيرهم أبداً.

الشِّق الثالث: كيف يُمكن أن يُصبح الطبيب فيلسوفاً؟

إنّ علم الفلسفة في تحصيله يعتمد على أمور:

1- دراسة علم النحو بمقدار يُمكِّنه مِن فهم العبارات وبعض المباحث بصورة سليمة صحيحة.

2- دراسة علم المنطق بصورة جيِّدة بحيث يكون عارفاً وخبيراً بهذا العلم لأنّه يعتمد عليه علم الفلسفة اعتمادا كبيراً.

3- أن يدرس الفلسفة بعد ذلك دراسة متدرّجة حتّى يتم تحصيل المعارف بصورة صحيحة ولا يقع في الشبهات لتسرّعه وعدم رويّته وتدرّجه.

4- أن تكون دراسته عند أستاذ قدير وخبير حتّى يصون نفسه عن الوقوع في المغالطات والشبهات.

5- أن يقصد القربة في التعلّم وتحصيل المعارف الإلهيّة وهذا يقتضي منه أن يكون متوجهاً إلى الطاعات والعبادات مِن أجل أن يكون في محلّ التسديد والفيض الإلهي ولا يقع في الشبهات، قال تعالى:

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (1) .

وجهاد النفس بإلزامها بالطاعات وإبعادها عن المعاصي مِن أفضل واكبر أنزاع الجهاد، فإذا جاهد في الله تعالى هداه الله تعالى إلى السبيل القويم وكان في محلّ العناية والتسديد.

ولو أراد الطبيب أن يقتصر على اختصاص واحد وأراد أن يجمع بينه وبين علم الفلسفة فإنّه يُمكنه ذلك ولكن عليه أن يُلاحظ أمرين:

1- أن يكون ذا موهبة وقدرة ذهنيّة على استيعاب العلمين دون أن يؤثِّر أحدهما على الآخر.

2- أن يُركِّز على علم الطبّ ويجعل دراسته للفلسفة أمراً ثانوياً وإن طال أمد الدراسة الفلسفية طويلاً مِن أجل أن لا يقع في التقصير في علم الطب.

وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين


(1) :(69) سورة العنكبوت
Powered by: InnoPortal Plus 1.2 - Developed by: InnoFlame.com