الصفحة الرئيسية سجل الزوار راسلنا
» الرواية الاولى لشهادة الامام الجواد ع  




 

سؤال

إنّ أكثر الدارسين للطب في الوقت الحالي يرون بأنّ البحث في علوم أهل البيت "ع" في الطبِّ أمر لا يتعدى أنّه أمر إضافي جانبي يتعلق بالثقافة الشخصية، وأنّ الدين له مكانه وزمانه والدراسة هي أمر منفصل عن كلِّ هذا؟

جواب السؤال

الظاهر مِن السؤال أنّ السائل لا يُريد نفي وجود أحكام شرعية تشمل كلّ أفعال الطبيب، وأنّه يجب على الطبيب أن يتعلّم الأحكام التي هي محلّ ابتلائه.

وإنّما يُريد بأنّ علم الطب ليس مِن شأن المشرِّع كمشَرِّع النظر إلى علم الطب كعلم، وهذا وإن كان في الجملة صحيح، إلاّ أنّ المشرِّع وهو الله تعالى الخالق لهذا الإنسان هو العارف بدقائق صُنعه، والعارف بأمراضه وأدويتها، وكذا عيبة عِلمه وخُزانة أسراره نبينا وسيدنا محمد وآله  .

ومِن هنا نقول أنّهم أفاضوا على الخلق بعض المعارف في علم الطب وغيره مِن العلوم لو التفت إليها المُسلمون لسبقوا غيرهم في شتّى العلوم والفنون، ولكن مَع كلِّ الأسف أنّ أتباع هذا الدين تركوه واستغلّه مَن لا يدين به، ولو أردنا أن نُقيم الشواهد على ذلك لطال بنا المقام، ولو تأمّل هذا القائل كلام الله تعالى وكلام أهل البيت "ع" لعلم أنّه مُشتمل على كنوز جديرة بالكشف عنها، ولوجد أبواباً مِن المعرفة يعجز الإنسان عن سبر غورها أو إدراك ساحلها.

وليس ما قلناها مُجرّد أمر خطابي ظنِّي بعيد عن الواقع صوّرته العبارات، ولكنّه واقع وحقيقة واضحة ناصعة جليّة، ولبيانها نذكر شيئاً يسيراً مما ينفع في المقام فنقول:

الأوّل: نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع.

هذه النصيحة الطبيّة التي قدّرها العلماء وأكبروها، واعتبروها أعظم دستور صحي يضمن للعاملين به صحّة تامة تعجز البشرية عن إبداء هذه النصيحة ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، ومِن أولئك الأعلام في الطب العالم الإنكليزي المستر داز حيث قال عند ذكره للنبي "ص" : (يكفي أنّ قوله المأثور: نحن لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع. أن يكون هو الأساس الذي بني عليه علم الصحة، ولا يستطيع الأطباء على كثرتهم ومهارتهم أن يأتوا بنصيحة طبية أثمن من هذه النصيحة) (14)

وهناك مَن جرّته هذه الكلمة إلى اعتناق الإسلام، لما وجد فيها مِن الإعجاز الإلهي الذي يفوق البشر قدرة.

أمثال هؤلاء مِن العلماء والأطباء هم الذين يُقال لهم بحقّ أنّهم أطباء وعُلماء، لأنّهم يُقدِّرون العلم الإلهي والنفحات المحمّدية، ولا يَمرّون بها مرور الكرام فيقعوا أمامها خاضعين.

الثاني: رسالة الإمام الرضا "ع" في الطب:

مع كلّ الأسف لم تُعطى هذه الرسالة حقّها مِن البحث العلمي، ولم تُبحث بشكل موضوعي دقيق، وفيها مِن الأسرار العجيبة التي يعجز أطباء العالم أن يُدركوها، ويكفي أن أنقل لك أخي الكريم بعض الفقرات مِن كلماته "ع" حيث يقول:

"احذر أن تجمع بين البيض والسمك في المعدة في وقت واحد فإنّهما متى اجتمعا في جوف إنسان ولّدا علّة النقرس والقولنج والبواسير ووجع الأضراس".

من المعروف أنّ السمك لا يُسبب النقرس لكونه مِن اللحوم البيضاء، ولكن إذا اجتمع مع السمك فإنّه يُسبب النقرس، هذا المزيج من السمك والبيض والإفرازات التي تُفرزها المعدة إذا اجتمعت شكّلت محلولاً يَضرّ بالإنسان ويُسبب له ليس النقرس فقط، بل القولنج والبواسير ووجع الأضراس، فما هي العلاقة بين السمك والبيض إذا اجتمعا في المعدة وإفرازاتها وبين تلك الأمراض؟!

ألا يجدر بالطبيب أن يأخذ بهذا ويُسلِّم به، وإن شاء فليُجرِّب على مرضاه، فكم مِن مريض بالنقرس يمتنع عن اللحوم الحمراء وعن كلّ ما يقوله الطبيب ومع ذلك في بعض الأحيان يبقى المرض على حاله، لا يتغيّر ولا يتبدّل، وما أذكره في البين لو أنّ هناك شخصاً لا يرغب باللحوم الحمراء وأصيب بالنقرس فقال له الطبيب امتنع عن اللحوم الحمراء، فقال المريض أنا لم أأكل اللحوم الحمراء منذ ولدت، فتعجّب الطبيب مِن ذلك.

لأنّه لا يعلم أنّ هذا المريض يجمع بين أكل السمك والبيض، فلمّا عرف هذا الأمر مِن تعاليم أهل البيت "ع" وامتنع عن الجمع بين السمك والبيض تغيّرت حالته بصورة كبيرة جدّاً.

ولنقرأ فقرة أخرى من كلامه "ع":

 (والاغتسال بالماء البارد بعد أكل السمك يورث الفالج).

ما العلاقة بين أكل السمك والاغتسال بالماء البارد؟!

هل هناك مِن الأطباء درس واكتشف أنّ أكل السمك ما هي تأثيراته، فإذا اغتسل بالماء البارد ما هي المشاكل التي تحصل له؟

قد يعرف الطبّ الحديث ذلك، وقد يبقى مِن مجاهيله إلى ظهور الحجة القائم صلوات الله وسلامه عليه.

وأختم بهذه الكلمة:

(والإكثار من لحوم الوحش والبقر يورث تغير العقل وتحير الفهم وتبلّد الذهن وكثرة النسيان).

هل عرف أو سيعرف الطب هذه العلاقة بين تلك اللحوم وتغيّر العقل وتحيّر الفهم وتبلّد الذهن وكثرة النسيان؟

وإذا لم يعرف فهل سيصرّ على الترك، كي يحرم نفسه وغيره مِن هذه المعارف التي لم يتوصّل إلى فلسفتها، والوقوع على سِرِّها؟!

الجدير بالطبيب المؤمن أن يُنعم النظر في هذه الرسالة ويستفيد منها، فإنّها تحلّ له كثيراً مِن مشاكله مع مرضاه إن أراد أن يكون ناصحاً لهم.

الثالث: بعض المكتشفات الحديثة:

لقد حاول بعض الأطباء استظهار الإعجاز الطبي في القرآن الكريم، فألّفوا في ذلك تآليف كثيرة، مِن أجل أن يُظهروا للناس الإعجاز الطبي في القرآن، ولو أردنا أن نأخذ مثالاً واحداً لكان قول الله تعالى:

{فَأَجَاءهَا المَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا(23)فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا(24)وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا(25)فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}(15)  .

الآيات الكريمة مشتملة على مباحث لطيفة نُشير إلى بعضها إشارة بما يتناسب مع المقام:

ألم الولادة جاء بمريم "ع" إلى جذع النخلة وهو جذع يابس لا خضرة فيه ولا ثمر، فناداها ابنها من تحتها ألاّ تحزني قد جعل لك ربّك تحتك ساقية تشربين منها، فكلي من الرطب واشربي من الساقية وقرّي عينا بفضل الله تعالى، وأمّا الخوف من الناس فقولي لهم إنّي نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسيّا، واتركي باقي ما تبقى على ابنك عيسى "ع".

وتحديد ثمرة النخل دون سواها وبالخصوص مع اقترانها بالمخاض له دلالات وفوائد جمّة منها:

1- الرطب غذاء غني جداً، يحوي نسبة عالية من السكاكر البسيطة السهلة الهضم والامتصاص، مثل سكر الغلوكوز، ومن المعروف أن هذه السكاكر هي مصدر عضلات الجسم، وتقوم بعمل جبار أثناء الولادة التي تتطلب سكاكر بسيطة بكميات جيدة ونوعية خاصة سهلة الهضم سريعة الامتصاص، كتلك التي في الرطب.

2- ونذكر هنا بأن علماء التوليد يقدمون للحامل وهي بحالة المخاض الماء والسكر بشكل سوائل سكرية، ولقد نصت الآية الكريمة على إعطاء السوائل أيضا مع السكاكر بقوله تعالى: (فكلي واشربي) والرطب من المواد الملينة التي تنظف الكولون وبالخصوص إذا أضيف إليه الماء، ومن المعلوم طبياً أن الملينات النباتية تفيد في تسهيل وتأمين عملية الولادة بتنظيفها للأمعاء الغليظة خاصة، ولنتذكر بأن الولادة المثالية يجب أن يسبقها رمضة شرجية ( حقنة ) لتنظيف الكولون.

3 - إن من آثار الرطب أيضا أنه يخفض ضغط الدم عند الحوامل فترة ليست طويلة ثم يعود لطبيعته، وهذه الخاصة مفيدة لأنه بانخفاض ضغط الدم تقل كمية الدم النازفة.

4- الرطب يخفف مِن الإحساس بالألم.

فهل هذه هي كامل العلّة في الطلب مِن مريم "ع" أن تأكل مِن الرطب وتشرب الماء؟

أم أنّ هناك الكثير ينتظر الطب كي يكتشفه؟

الذين يتركون أمثال هذه الآيات، ويُصِمّون أسماعهم عن سُماعها، لن يتقدّموا ولن يُقدِّموا لهذه الأمّة شيئاً، بل هم سبب تخلّف هذه الأمّة الغنيّة بتراثها الضخم.

وأكتفي بهذا القدر في إجابتي على هذا السؤال مِن أجل أن لا أطيل فيملّ القارئ.

 وأسأل الله تعالى لإخواننا أخواتنا أن يهتدوا بهدي النبي محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، وأن يستنيروا بعلومهم إنّه سميع

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين.

(14 ) الشفاء الروحي لعبد اللطيف البغدادي ص348
(15) من سورة مريم
Powered by: InnoPortal Plus 1.2 - Developed by: InnoFlame.com