الصفحة الرئيسية سجل الزوار راسلنا
» الرواية الاولى لشهادة الامام الجواد ع  




سؤال

روي عن موسى "ع" أنّه قال: يا ربّ ممن الداء والدواء؟ فقال: منِّي.

قال: فما يصنع الأطباء؟

قال: يأكلون أرزاقهم ويطيبون نفوس عبادي حتى يأتي شفائي أو قضائي.

كيف يحصل للطبيب الإيمان بهذه الحقيقة والعمل بناءاً عليها من غير أن يحدث تقصير في العمل؟

وفي حال حصل الإيمان كيف تنعكس ايجابياً على عمله؟

وكيف يحقق دور الواسطة كما يريد الله تعالى؟

جواب السؤال 

الحديث المذكور في السؤال الظاهر أنّه مِن روايات العامّة إلاّ أنّه مؤيّد ببعض الأحاديث عندنا

 فروي عن أبي عبد الله "ع" أنه قال: "كان يسمّى الطبيب المعالج،

 فقال موسى بن عمران "ع" : يا ربِّ ممن الداء؟

 قال: منِّي.

 قال: فممن الدواء؟

 قال: منِّي.

قال: فما يصنع الناس بالمعالج؟

 قال: يطيب بذلك أنفسهم فسمي الطبيب لذلك" ([1]).

والجواب على هذا السؤال نُحدده في نقاط:

النقطة الأولى: كيفية حصول الإيمان للطبيب بأنّ الشفاء مِن الله تعالى.

إنّ الحياة والموت بيد الله تعالى، وإذا أراد الله تعالى حياة شخص هيأ له الأسباب لاستمرارها، وإذا أراد الله تعالى موت شخص هيأ له أسباب الموت، ولذلك الطبيب لا يُمكنه أن يدفع عن نفسه الموت،

 قال تعالى:{قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} ([2]) 

فعند إرادة الله تعالى لموت شخص لا يُمكن لأحد مِن الخلق أن يُبقيه على الحياة، لأنّ ذلك مُخالف لإرادته عزّ وجلّ.

والعلاج ما هو إلاّ أحد الأسباب التي يُقدرها الله تعالى مِن أجل الشفاء، والطبيب يكون الواسطة في إيصال الدواء إلى المريض، وليس الطبيب هو الذي جعل الشفاء في الأدوية، بل إنّ الله تعالى ما خلق داءاً إلاّ وخلق له دواء، فالله تعالى هو الخالق لجميع الموجودات بما فيها الأدوية وموادّها الأوليّة، وهو الهادي للبشر والمعلّم لهم تركيب تلك الأدوية.

فإذا كانت حياة المريض بيد الله تعالى، وخلق الدواء منه تعالى، وتأثير الدواء منه تعالى المسبب للأسباب، فالذي يبقى للطبيب الواسطة في تشخيص الداء والدواء بهدي الله تعالى.

وهذا مِن قبيل فعل العبد للطاعة، فإنّ الله تعالى هو الذي أعطاه القدرة عليها، وعلّمه إيّاها عن طريق رسله، ووفّقه لها، وأعانه عليها، وهداه إليها، وما كان مِن العبد إلاّ الاختيار والعزم عليها، فيستحق الله تعالى على العبد الشكر على إقداره على الطاعة وتعليمه إيّاها، وتوفيقه لها، وإعانته عليها، وهدايته لها، فالله تعالى له النصيب الأكبر في تحققها، والنصيب الأقل والأضعف مِن العبد، فلله تعالى المنّة على خلقه.

وكون الحياة والموت والشفاء مِن الله تعالى حقيقة يُقرّها العقل ويعضدها الشرع،

 قال تعالى:

 {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ*وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ}([3]).

 وفي دعاء الجوشن الكبير:

 "...يا دليلنا يا معيننا، يا حبيبنا يا طبيبنا... يا طبيب من لا طبيب له..." ([4]).

وعن الإمام زين العابدين "ع" :

 "اللهم لك الحمد أن خلقت فسويت، وقدّرت وقضيت، وأمتّ وأحييت، وأمرضت وشفيت، وعافيت وأبليت" ([5]).

وعن الإمام العسكري "ع" - من دعائه في الصباح - : "يا من يجعل الشفاء فيما يشاء من الأشياء... يا من يزيل بأدنى الدواء ما غلظ من الداء" ([6])

النقطة الثانية: كيفية ممارسة الطبيب عمله بناءاً على أنّ الشفاء مِن الله تعالى.

الطبيب لمّا كان هو الواسطة في تشخيص الداء والدواء فيُمارس مهنته مِن خلال تشخيصه للداء والدواء، والإجتهاد في ذلك والنصيحة للمريض، وهذا هو الذي يتعلّمه في كليّات الطب، فيُجنِّد كلّ معرفته وخبرته وطاقته في خدمة الإنسان، وذلك لا يتنافى مع الاعتقاد بأنّه لا يملك لنفسه ولا للمريض الحياة والموت، ولا يَملك الشفاء.

والله تعالى الذي علّم الإنسان ما لم يعلم مِن علم الطب إنّما هو مِن أجل تحقيق الواسطة في الشفاء، لأنّ الله تعالى أبى أن يُجرى الأشياء إلاّ بأسبابها، ولذلك روي عن الإمام الصادق "ع" أنّه قال:

 "إنّ نبيّاً من الأنبياء مرض،

 فقال: لا أتداوى حتى يكون الذي أمرضني هو الذي يشفيني

. فأوحى الله عزّ وجلّ:

لا أشفيك حتى تتداوى؛ فإنّ الشفاء منِّي" ([7]).

ومن هنا أيضاً قد أقرّ أهل البيت "ع" علم الطب وساهموا في ترشيده وإضفاء الشرعيّة عليه، وأضافوا عليه زيادة على ما في أيدي الناس.

النقطة الثالثة: إيجابية الإيمان بأنّ الشفاء مِن الله تعالى وعدم سلبيته.

إنّ الطبيب إذا علم بأنّ الشفاء مِن الله تعالى، وما هو إلاّ وسيلة فإنّ ذلك يجعل عنده المُحفِّز في أن يُعالج الناس وهو متوجّه إلى مِن بيده الأسباب، كما أنّه يتوجّب على المريض أيضاً أن يتوجّه إلى الله تعالى الشافي، وينظر إلى الطبيب كوسيلة للشفاء مِن الله تعالى.

ومَن يعيش هذا المعنى يحصل على الارتباط بالله تعالى في عمله، كما يأمل أن يكون خير واسطة لله تعالى، وهذا مما يدعوه إلى تضافر جهوده في الإتيان بما يُقربه مِن الله تعالى أكثر فأكثر.

ولا يُتصوّر أيّ سلبيّة في المقام، بل هنا الإيجابيات الجليلة التي تأخذ بيد الطبيب إلى الرقي في الطاعات والقربات.

النقطة الرابعة: كيفية تحقيق دور الواسطة كما يريد الله تعالى.

يتّضح مما سبق أنّ دور الوساطة الذي يريد الله تعالى من الطبيب أن يسلكه هو بذل كل طاقاته الجسدية والفكرية والعلميّة مِن أجل الوصول إلى تشخيص الداء ومعرفة الدواء، وإخلاصه في ذلك، وأن يكون الطبيب مرتبطاً بالله تعالى الشافي، وأنّه لا حول له ولا قوّة إلاّ بالله العلي القدير، وأنّ الحياة والموت بيده تعالى.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


([1]) الاعتقادات في دين الإمامية للشيخ الصدوق ص116، وعلل الشرائع للشيخ الصدوق ج2 ص525، ومثله في الكافي للشيخ الكليني ج8 ص88.

([2]) سورة يونس الآية (49).

([3]) سورة الشعراء الآيتان (80-81).

([4]) المصباح للشيخ الكفعمي ص253.

([5]) الصحيفة السجادية (أبطحي) للإمام زين العابدين × ص550، والمصباح للشيخ الكفعمي ص123.

([6]) مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ص229، والمصباح للشيخ الكفعمي ص79.

([7]) مكارم الأخلاق للشيخ الطبرسي ص362.

([8]) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج59 ص74 عن دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي ج2 ص144.
Powered by: InnoPortal Plus 1.2 - Developed by: InnoFlame.com