الصفحة الرئيسية سجل الزوار راسلنا
» الرواية الاولى لشهادة الامام الجواد ع  
» سيرة الأئمة (ع)




أبو محمد الحسن بن علي المجتبى _ عليه السلام _


 
 هو ثاني أئمّة أهل البيت الطاهر، وأوّل السبطين، وأحد سيّدي شباب أهل الجنّة، وريحانة رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _، وأحد الخمسة من أصحاب الكساء، أُمّه فاطمة بنت رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ سيّدة نساء العالمين.
 
ولادته

 ولد في المدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث أو اثنتين من الهجرة، وهو أوّل أولاد عليّ وفاطمة8.
 
 

نسب كان عليه من شمس الضحى * نور ومن فلق الصباح عمودا

 
 وروي عن أنس بن مالك قال: لم يكن أحد أشبه برسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ من الحسن بن علي8(1).
 فلمّـا ولد الحسن قالت فاطمة لعليّ: سمّه، فقال: «ما كنت لاَسبق باسمه رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _»، فجاء النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ فأُخرج إليه فقال: «اللّهمّ إنّي أُعيذه بك وولده من الشـيطـان الـرجيـم، وأذّن في أُذنه اليمني وأقام في اليسرى.
 
ألقابه _ عليه السلام _

 أشهرها: التقيّ والزكيّ والسبط.
 

علمه _ عليه السلام _

 يكفي أنّه كان يجلس في مسجد رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ ويجتمع الناس حوله فيتكلّم بما يشفي غليل السائل ويقطع حجج المجادلين. من ذلك ما رواه الاِمام أبو الحسن عليّ ابن أحمد الواحدي في تفسير الوسيط: أنّ رجلاً دخل إلى مسجد المدينة فوجد شخصاً يحدّث عن رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ والناس حوله مجتمعون فجاء إليه الرجل، قال: أخبرني عن (شاهد ومشهود) (2) فقال: «نعم، أمّا الشاهد فيوم الجمعة والمشهود فيوم عرفة».
 فتجاوزه إلى آخر غيره يحدّث في المسجد، فسأله عن ( شاهد ومشهود ) قال: «أمّا الشاهد فيوم الجمعة، وأمّا المشهود يوم النحر».
 قال: فتجاوزه إلى ثالث، غلام كأنّ وجهه الدينار، وهو يحدّث في المسجد، فسأله عن شاهد ومشهود، فقال: «نعم، أمّا الشاهد فرسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ وأمّا المشهود فيوم القيامة، أما سمعته عزّ وجلّ يقول: (يا أيُّها النَّبِيُّ إنّا أرْسَلْناك شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً )(3)، وقال تعالى: (ذلِكَ يَومٌ مَجمَوعٌ لَهُ النَّاسُ وذلِكَ يَومٌ مَشْهُودٌ ) »(4).
 فسأل عن الاَوّل، فقالوا: ابن عبّاس، وسأل عن الثاني، فقالوا: ابن عمر،
وسأل عن الثالث، فقالوا: الحسن بن عليّ بن أبي طالب _ عليه السلام _(5).
 
زهده _ عليه السلام _

 يكفي في ذلك ما نقله الحافظ أبو نعيم في حليته بسنده أنّه _ عليه السلام _ قال: «إنّي لاَستحيي من ربّي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته» فمشى عشرين مرّة من المدينة إلى مكّة على قدميه.
 وروي عن الحافظ أبي نعيم في حليته أيضاً: أنّه _ عليه السلام _ خرج من ماله مرّتين، وقاسم الله تعالى ثلاث مرّات ماله وتصدّق به.
 وكان _ عليه السلام _ من أزهد الناس في الدنيا ولذّاتها، عارفاً بغرورها وآفاتها، وكثيراً ما كان _ عليه السلام _ يتمثّل بهذا البيت شعراً:
 

يا أهل لذّات دنيا لا بقاء لها * إنّ اغتراراً بظلّ زائــلٍ حَمَقُ(6)

 
حلمه _ عليه السلام _

 روى ابن خلّكان عن ابن عائشة: أنّ رجلاً من أهل الشام قال: دخلت المدينة ـ على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ـ فرأيت رجلاً راكباً على بغلة لم أر أحسن وجهاً ولا سمتاً ولا ثوباً ولا دابّة منه، فمال قلبي إليه، فسألت عنه فقيل: هذا الحسن بن عليّ بن أبي طالب، فامتلاَ قلبي له بغضاً وحسدت عليّاً أن يكون له ابن مثله، فصرت إليه وقلت له: أأنت ابن عليّ بن أبي طالب؟ قال: «أنا ابنه»، قلت: فعل بك وبأبيك، أسبّهما، فلمّـا انقضى كلامي قال لي: «أحسبك غريباً»؟
قلت: أجل، قال: «مِلْ بنا، فإن احتجت إلى منزل أنزلناك، أو إلى مال آتيناك، أو إلى حاجة عاونّاكَ» قال: فانصرفت عنه وما على الاَرض أحبّ إليّ منه، وما فكرت فيما صنع وصنعت إلاّ شكرته وخزيت نفسي(7).
 
إمامته _ عليه السلام _

 يكفي في ذلك ما صرّح به النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ من قوله: «هذان ابناي إمامان قاما أو قعدا...».
 وروت الشيعة بطرقهم عن سليم بن قيس الهلالي قال: شهدت أمير المؤمنين _ عليه السلام _ حين أوصى إلى ابنه الحسن _ عليه السلام _ وأشهد على وصيّته الحسين _ عليه السلام _ ومحمّداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثمّ دفع إليه الكتاب والسلاح وقال له: «يا بنيّ إنّه أمرني رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ أن أُوصي إليك، وأدفع إليك كتبي وسلاحي، كما أوصى إليّ ودفع إليّ كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين، ثمّ أقبل على ابنه الحسين _ عليه السلام _ فقال: وأمرك رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ أن تدفعها إلى ابنك هذا، ثمّ أخذ بيد عليّ بن الحسين وقال: وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك محمّد بن عليّ فاقرأه من رسول الله ومنّيالسلام»(8).
 روى أبو الفرج الاَصفهاني: أنّه خطب الحسن بن عليّ بعد وفاة أمير المؤمنين عليّ _ عليه السلام _ وقال: «قد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الاَوّلون بعمل، ولا يدركه
الآخرون بعمل، ولقد كان يجاهد مع رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ فيقيه بنفسه، ولقد كان يوجّهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فلا يرجع حتى يفتح الله عليه، ولقد توفّي في هذه الليلة التي عرج فيها بعيسي بن مريم، ولقد توفّـي فيها يوشع بن نون وصي موسى، وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم بقيّة من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لاَهله».
 ثمّ خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه.
 ثمّ قال: «أيّها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمّد _ صلى الله عليه وآله وسلم _، أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى الله عزّ وجلّ بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، والذين افترض الله مودّتهم في كتابه إذ يقول: (ومَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً )(9)فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت».
 قال أبو مخنف عن رجاله: ثمّ قام ابن عباس بين يديه فدعا الناس إلى بيعته فاستجابوا له وقالوا: ما أحبّه إلينا وأحقّه بالخلافة، فبايعوه(10).
 وقال المفيد: كانت بيعته يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فرتّب العمّال وأمّر الاَُمراء، وأنفذ عبد الله بن العبّاس إلى البصرة، ونظر في الاَُمور(11).
 وقال أبو الفرج الاَصفهاني: وكان أوّل شيء أحدثه الحسن[ _ عليه السلام _] أنّه زاد في المقاتلة مائة مائة، وقد كان عليّ فعل ذلك يوم الجمل، وهو فعله يوم الاستخلاف، فتبعه الخلفاء بعد ذلك(12).
 
قال المفيد: فلمّـا بلغ معاوية وفاة أمير المؤمنين وبيعة الناس ابنه الحسن، دسَّ رجلاً من حمير إلى الكوفة، ورجلاً من بني القين إلى البصرة ليكتبا إليه بالاَخبار ويفسدا على الحسن الاَُمور، فعرف ذلك الحسن، فأمر باستخراج الحميري من عند لحّام في الكوفة فأُخرج وأمر بضرب عنقه، وكتب إلى البصرة باستخراج القيني من بني سليم، فأُخرج وضربت عنقه(13).
 
صلحه _ عليه السلام _ مع معاوية

 ثمّ إنّه استمرّت المراسلات(14)بين الحسن ومعاوية وانجرّت إلى حوادث مريرة إلى أن أدّت إلى الصلح واضطرّ إلى التنازل عن الخلافة لصالح معاوية، فعقدا صلحاً وإليك صورته:
 
 

بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما صالح عليه الحسن بن عليّ بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن يسلّم إليه ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنّة رسول الله، وليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً، على أنّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم ويمنهم وعراقهم وحجازهم.
 على أنّ أصحاب عليّ وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا، وعلى معاوية بذلك عهد الله وميثاقه.
 على أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لاَخيه الحسين ولا لاَحد من أهل بيت رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ غائلة سوء سرّاً وجهراً، ولا يخيف أحداً في أُفق من الآفاق. شهد عليه بذلك فلان وفلان، وكفى بالله شهيداً(15).
 
 ولمّا تمّ الصلح صعد معاوية المنبر وقال في خطبته: إنّي والله ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا، ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا، إنّكم لتفعلون ذلك، ولكنّي قاتلتكم لاَتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون. ألا وإنّي كنت منّيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدميّ هاتين لا أفي بشيء منها له(16).
 
شهادته ودفنه _ عليه السلام _

 لمّا نقض معاوية عهده مع الاِمام الحسن _ عليه السلام _، وما كان ذلك بغريب على رجل أبوه أبوسفيان، وأُمّه هند، وهو طليق ابن طلقاء عمد إلى أخذ البيعة ليزيد ولده المشهور بمجونه وتهتكه وزندقته، وما كان شيء أثقل عليه من أمر الحسن بن عليّ8، فدسّ إليه السمّ، فمات بسببه.
 فقد روي: أنّ معاوية أرسل إلى ابنة الاَشعث ـ وكانت تحت الحسن _ عليه السلام _ ـ: إنّي مزوّجك بيزيد ابني على أن تسمّي الحسن بن عليّ. وبعث إليها بمائة ألف درهم، فقبلت وسمّت الحسن، فسوّغها المال ولم يزوّجها منه(17).
 فلمّا دنا موته أوصى لاَخيه الحسين _ عليه السلام _ وقال: «إذا قضيت نحبي غسّلني
وكفّني واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد فادفنّي هناك، وبالله أُقسم عليك أن تهريق في أمري محجمة دم».
 فلمّـا حملوه إلى روضة رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ لم يشكّ مروان ومن معه من بني أُميّة أنّهم سيدفنونه عند جدّه رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _فتجمّعوا له ولبسوا السلاح، ولحقتهم عائشة على بغل وهي تقول: ما لي ولكم تريدون أن تُدخلوا بيتي من لا أُحبّ!! وجعل مروان يقول: يا ربّ هيجاء هي خير من دعةٍ، أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبيّ؟! وكادت الفتنة تقع بين بني هاشم وبني أُميّة. ولاَجل وصيّة الحسن مضوا به إلى البقيع ودفنوه عند جدّته فاطمة بنت أسد(18).
 وتوفّي الحسن وله من العمر (47) عاماً وكانت سنة وفاته سنة (50) من الهجرة النبويّة. والعجيب أنّ مروان بن الحكم حمل سريره إلى البقيع فقال له الحسين: «أتحمل سريره؟! أما والله لقد كنت تجرّعه الغيظ» فقال مروان: إنّي كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال(19).
 
فرح معاوية بموته:
 ولما بلغ معاوية موت الحسن _ عليه السلام _ سجد وسجد من حوله وكبّـر وكبّـروا معه. ذكره الزمخشري في ربيع الاَبرار وابن عبد البرّ في الاستيعاب وغيرهما.
 فقال بعض الشعراء:
 
 

أصبح اليوم ابن هند شامتاً * ظاهر النخوة إذ مات الحسنْ
 يا ابن هند إن تذق كأس الردى * تكُ في الدهر كشيء لم يكنْ

لستَ بالباقي فلا تشمت به * كلّ حيّ للمنايا مرتهن(20)

 هذه لمحة عن حياة الحسن المشحونة بالحوادث المريرة. وتركنا الكثير ممّا يرجع إلى جوانب حياته، خصوصاً ما نقل عنه من الخطب والرسائل والكلم القصار، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى تحف العقول(21)فقد ذكر قسماً كبيراً من كلماته.
 


(1) ابن الصباغ المالكي (المتوفّى عام 855هـ): الفصول المهمّة: 152.

(2) البروج: 3.
(3) الاَحزاب: 45.
(4) هود: 103.
(5) بحار الاَنوار 1: 13.
(6) ابن الصبّاغ المالكي، الفصول المهمّة: 154.

(7) ابن خلّكان، وفيات الاَعيان 2: 68.
(8) الشيخ الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 405 تحقيق مؤسسة آلالبيت:، ومن أراد الوقوف على نصوص إمامته فعليه أن يرجع إلى الكافي 1: 297، وإثبات الهداة 2: 543 ـ 568 فقد نقل خمسة نصوص في المقام.

(9) الشورى: 23.
(10) مقاتل الطالبيين: 52.
(11) المفيد: الاِرشاد: 188.
(12) مقاتل الطالبيين: 55.

(13) الارشاد للمفيد: 188، مقاتل الطالبيين: 52.
(14) ومن أراد الوقوف عليها فليرجع إلى مقاتل الطالبيين: 53 ـ 72 وبالاِمعان فيها وما أظهر أصحابه من التخاذل، يتضح سرّ صلح الاِمام وتنازله عن الخلافة، فلم يطاع إلاّ أنّه أتم الحجّة عليهم، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى صلح الحسن للشيخ راضي آل ياسين.

(15) ابن صبّاغ المالكي، الفصول المهمّة: 163.
(16) الارشاد للمفيد: 191.
(17) مقاتل الطالبيين: 73.

(18) الارشاد: 193، كشف الغمة 1: 209، مقاتل الطالبيين: 74 ـ 75.
(19) مقاتل الطالبيين: 76.

(20) الاَمين العاملي، في رحاب أئمّة أهل البيت: 43.
(21) الحرّاني الحسن بن شعبة، تحف العقول: 225 ـ 236.
Powered by: InnoPortal Plus 1.2 - Developed by: InnoFlame.com