الصفحة الرئيسية سجل الزوار راسلنا
» الرواية الاولى لشهادة الامام الجواد ع  
» سيرة الأئمة (ع)




أبوجعفر محمّد بن عليّ الجواد _ عليه السلام _


 
ولادته _ عليه السلام _

 ولد بالمدينة المنورة في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين بعد المائة، فورث الشرف من آبائه وأجداده، واستسقت عروقه من منبع النبوّة، وارتوت شجرته من منهل الرسالة.
 

إمامته _ عليه السلام _

 قام بأمر الولاية بعد شهادة والده الرضا _ عليه السلام _ عام 203هـ، واستشهد ببغداد عام220هـ، أدرك خلافة المأمون وأوائل خلافة المعتصم.
 أمّا إمامته ووصايته فقد وردت فيها النصوص الوافرة(1).
 لقّب بالجواد والقانع والمرتضى والنجيب والتقيّ والزكيّ وغيرها من الاَلقاب الدالّة على علو شأنه وارتفاع منزلته.
 

استقدامه إلى بغداد

 لمّا توفّي الرضا _ عليه السلام _ كان الاِمام الجواد في المدينة، وقام بأمر الاِمامة بوصية من أبيه وله من العمر تسع أو عشر سنين، وكان المأمون قد مارس معه نفس السياسة التي مارسها مع أبيه _ عليه السلام _ خلافاً لاَسلافه من العباسيين، حيث إنّهم كانوا يتعاملون مع أئمّة أهل البيت بالقتل والسجن، وكان ذلك يزيد في قلوب الناس حبّاً لاَهل البيت وبغضاً للخلفاء، ولمّا شعر المأمون بذلك بدّل ذلك الاَُسلوب بأُسلوب آخر وهو استقدام أهل البيت من موطنهم إلى دار الخلافة لكي يشرف على حركاتهم وسكناتهم، وقد استمرّت هذه السياسة في حقّهم إلى الاِمام الحادي عشر كما ستعرف.
 وما كان من المأمون عندما استقدم الاِمام إلى مركز الخلافة، إلاّ أن شغف به لما رأى من فضله مع صغر سنّه وبلوغه في العلم والحكمة والاَدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان، فزوّجه ابنته أُمّ الفضل وحملها معه إلى المدينة، وكان حريصاً على إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره، ونحن نكتفي في المقام بذكر أمرين:
 1 ـ لمّا توفّي الاِمام الرضا _ عليه السلام _ وقدم المأمون بغداد، اتّفق أنّ المأمون خرج يوماً يتصيّد، فاجتاز بطرف البلدة وصبيان يلعبون ومحمّد الجواد واقف عندهم، فلمّـا أقبل المأمون فرّ الصبيان ووقف محمّد الجواد، وعمره آنذاك تسع سنين، فلمّـا قرب منه الخليفة قال له: يا غلام ما منعك أن لا تفرّ كما فرّ أصحابك؟! فقال له محمّد الجواد مسرعاً: «يا أمير المؤمنين فرّ أصحابي فرقاً والظنّ بك حسن أنّه لا يفرّ منك من لا ذنب له، ولم يكن بالطريق ضيق فانتحي عن أميرالمؤمنين» فأعجب المأمون كلامه وحسن صورته فقال له: ما اسمك يا غلام؟ قال: «محمّد بن عليّ الرضا _ عليه السلام _» فترحّم على أبيه(2).
 2 ـ لمّا أراد المأمون تزويج ابنته أُمّ الفضل من الاِمام الجواد ثقل ذلك على العباسيين وقالوا له: ننشدك الله أن تقيم على هذا الاَمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا؛ فانّا نخاف أن تخرج به عنّا أمراً قد ملّكناه الله! وتنزع منّا عزّاً قد ألبسناه الله! فقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا حتى كفى الله المهمّ من ذلك ـ إلى أن قالوا ـ: إنّ هذا الفتى وإن راقك منه هديه؛ فإنّه صبي لا معرفة له؛ فأمهله حتّى يتأدّب ويتفقّه في الدين ثمّ اصنع ما ترى.
 قال المأمون: ويحكم إنّي أعرف بهذا الفتى منكم، وإنّ أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى وإلهامه، ولم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والاَدب من الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر حتّى يتبيّن لكم ما وصفت لكم من حاله. قالوا: رضينا.
 فخرجوا واتّفق رأيهم على أنّ يحيى بن أكثم يسأله مسألة وهو قاضي الزمان فأجابهم المأمون على ذلك.
 واجتمع القوم في يوم اتّفقوا عليه، وأمر المأمون أن يفرش لاَبي جعفر دست ففعل ذلك، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه، وقام الناس في مراتبهم، والمأمون جالس في دست متّصل بدست أبي جعفر _ عليه السلام _.
 فقال يحيي بن أكثم للمأمون: أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر؟
 فقال: استأذنه في ذلك.
 فأقبل عليه يحيى وقال: أتأذن لي ـ جعلت فداك ـ في مسألة؟
 فقال: «سل إن شئت».
 فقال: ما تقول ـ جعلت فداك ـ في مُـحْرم قتل صيداً؟
 فقال أبو جعفر _ عليه السلام _: «في حلّ أو حرم؟ عالماً كان المحرم أو جاهلاً؟ قتله عمداً أو خطأ؟ حرّاً كان المحرم أو عبداً؟ صغيراً كان أو كبيراً؟ مبتدئاً كان بالقتل أو معيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد أم غيرها؟ من صغار الصيد أم كبارها؟ مصرّاً كان على ما فعل أو نادماً؟ ليلاً كان قتله للصيد أم نهاراً؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرماً؟».
 فتحيّر يحيى وبان في وجهه العجز والانقطاع، وتلجلج حتّى عرف أهل المجلس أمره.
 فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي، ثمّ قال لاَبي جعفر _ عليه السلام _: اخطب لنفسك فقد رضيتك لنفسي وأنا مزوّجك أُمّ الفضل ابنتي(3).
 ولمّا تمّ الزواج قال المأمون لاَبي جعفر: إن رأيت ـ جعلت فداك ـ أن تذكر الجواب فيما فصّلته من وجوه قتل الـمُـحْرم الصيد لنعلمه ونستفيده.
 فقال أبو جعفر _ عليه السلام _: «إنّ المحرم إذا قتل صيداً في الحل وكان الصيد من ذوات الطير وكان من كبارها فعليه شاة، فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً؛ فإن قتل فرخاً في الحلّ فعليه حمل قد فطم من اللّبن، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ، وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة، وإن كان نعامة فعليه بدنة، وإن كان ظبياً فعليه شاة، فإن قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة، وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه بالحج نحره بمنى، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكّة، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء، وفي العمد له المأثم وهو موضوع عنه في الخطأ، والكفّارة على الحرّ في نفسه، وعلى السيّد في عبده، والصغير لا كفّارة عليه وهي على الكبير واجبة، والنادم يسقط بندمه عنه عقاب الآخرة، والمصرّ يجب عليه العقاب في الآخرة».
فقال له المأمون: أحسنت يا أبا جعفر...(4).
 
رجوعه _ عليه السلام _ إلى المدينة

 ثمّ إنّ أبا جعفر بعد أن أقام مدّة في بغداد هاجر إلى المدينة وسكن بها مدّة إلى أن توفّي المأمون وبويع المعتصم، ولم يزل المعتصم متفكّراً في أبي جعفر يخاف من اجتماع الناس حوله ووثوبه على الخلافة، فلاَجل ذلك مارس نفس السياسة التي مارسها أخوه المأمون من قبله فاستقدم الاِمام الجواد _ عليه السلام _ إلى بغداد سنة 220(5) وبقي فيها _ عليه السلام _ حتى توفّي في آخر ذي القعدة من تلك السنة، وله من العمر 25 سنة وأشهر. ودفن عند جدّه موسى بن جعفر في مقابر قريش.
 وقال ابن شهر آشوب: إنّه قبض مسموماً(6).
 فسلام الله على إمامنا الجواد يوم ولد، ويوم مات أو استشهد بالسمّ، ويوم يبعث حيّاً.
 



(1) انظر الكافي 1: 320 ـ 323، إثبات الهداة 3: 321 ـ 328.

(2) الفصول المهمّة: 266.

(3) الاِرشاد: 319 ـ 321، إعلام الورى: 352 وللقصّة صلة فراجع.

(4) الاِرشاد: 322.
(5) وفي الاِرشاد: ص 326، وفي إعلام الورى: ص 304: وكان سبب ورود الاِمام إلى بغداد إشخاص المعتصم له من المدينة، فورد بغداد لليلتين بقيتا من محرّم الحرام سنة 225 هـ... ثمّ يقول: وكان له يوم قبض 25 سنة.
ولا يخفى أنّه لو كان تاريخ وروده إلى بغداد هي سنة 225 هـ، يكون له يوم وفاته 30 سنة من العمر لاَنّه ولد عام 195هـ.
(6) ابن شهر آشوب، المناقب 4: 379.
Powered by: InnoPortal Plus 1.2 - Developed by: InnoFlame.com