الصفحة الرئيسية سجل الزوار راسلنا
» الرواية الاولى لشهادة الامام الجواد ع  
» سيرة الأئمة (ع)




أبو الحسن عليّ بن محمّد الهادي _ عليه السلام _


 
ولادته وإمامته _ عليه السلام _

 ولد عام 212هـ، وهو من بيت الرسالة والاِمامة، ومقر الوصاية والخلافة، وثمرة من شجرة النبوّة.
 قام _ عليه السلام _ بأمر الاِمامة بعد والده الاِمام الجواد _ عليه السلام _، وقد عاصر خلافة المعتصم والواثق والمتوكّل والمنتصر والمستعين والمعتز، وله مع هؤلاء قضايا لا يتّسع المقام لذكرها.
 قال ابن شهر آشوب: كان أطيب الناس مهجة، وأصدقهم لهجة، وأملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد، إذا صمت علَتْه هيبة الوقار، وإذا تكلّم سماه البهاء(1).
 وقال عماد الدين الحنبلي: كان فقيهاً إماماً متعبّداً(2).
 وقال المفيد: تقلّد الاِمامة بعد أبي جعفر ابنه أبو الحسن عليّ بن محمّد، وقد اجتمعت فيه خصال الاِمامة وثبت النص عليه بالاِمامة، والاِشارة إليه من أبيه بالخلافة(3).
 وقد تضافرت النصوص على إمامته عن طرقنا، فمن أراد فليرجع إلى الكافي وإثبات الهداة وغيرهما من الكتب المعدّة لذلك(4).
 
المتوكّل ومواقفه الشنيعة مع الاِمام _ عليه السلام _

 لقد مارس المتوكّل نفس الاَُسلوب الخبيث الذي رسمه المأمون ثمّ أخوه المعتصم من إشخاص أئمّة أهل البيت من موطنهم وإجبارهم على الاِقامة في مقرّ الخلافة، وجعل العيون والحرّاس عليهم حتى يطّلعوا على دقيق حياتهم وجليلها.
 وكان المتوكّل من أخبث الخلفاء العباسيين، وأشدّهم عداءً لعليّ، فبلغه مقام عليّ الهادي بالمدينة ومكانته هناك، وميل الناس إليه، فخاف منه(5)، فدعا يحيى ابن هرثمة وقال: اذهب إلى المدينة، وانظر في حاله وأشخصه إلينا.
 قال يحيى: فذهبت إلى المدينة، فلمّـا دخلتها ضجَّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله، خوفاً على عليّ الهادي، وقامت الدنيا على ساق؛ لاَنّه كان مُـحْسِناً إليهم، ملازماً للمسجد لم يكن عنده ميل إلى الدنيا.
 قال يحيى: فجعلت أُسكِّنهم وأحلِف لهم أنّي لم أُؤمر فيه بمكروه، وأنّه لا بأس عليه، ثمّ فتّشت منزله فلم أجد فيه إلاّ مصاحف وأدعية وكتب العلم، فعظم في عينى، وتولّيت خدمته بنفسى، وأحسنت عشرته، فلمّا قدمت به بغداد، بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري وكان والياً على بغداد، فقال لي: يا يحيى إنّ هذا الرجل قد ولده رسول الله، والمتوكّل مَنْ تعلَم، فإن حرّضته عليه قتله، كان رسول الله خصمك يوم القيامة. فقلت له: والله ما وقعت منه إلاّ على كلّ أمر جميل.
 ثمّ صرت به إلى «سرّ من رأى» فبدأت بـ «وصيف» التركي، فأخبرته بوصوله، فقال: والله لئن سقط منه شعرة لا يطالب بها سواك، فلمّـا دخلت على المتوكّل سألني عنه فأخبرته بحسن سيرته وسلامة طريقه وورعه وزهادته، وأنّي فتّشت داره ولم أجد فيها إلاّ المصاحف وكتب العلم، وأنّ أهل المدينة خافوا عليه، فأكرمه المتوكّل وأحسن جائزته وأجزل برّه، وأنزله معه سامراء(6).
 ومع أنّ الاِمام كان يعيش في نفس البلد الذي يسكن فيه المتوكّل، وكانت العيون والجواسيس يراقبونه عن كثب، إلاّ أنّه وشي به إلى المتوكّل بأنّ في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم، وأنّه عازم على الوثوب بالدولة، فبعث إليه جماعة من الاَتراك، فهاجموا داره ليلاً فلم يجدوا فيها شيئاً، ووجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف وهو جالس على الرمل والحصى، وهو متوجّه إلىالله تعالى يتلو آيات من القرآن، فحمل على حاله تلك إلى المتوكل وقالوا له: لم نجد في بيته شيئاً، ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة، وكان المتوكّل جالساً في مجلس الشراب فأُدخل عليه والكأس في يده، فلمّـا رآه هابه وعظّمه وأجلسه إلى جانبه، وناوله الكأس التي كانت في يده، فقال الاِمام _ عليه السلام _: «والله ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني» فأعفاه، فقال له: انشدني شعراً، فقال عليّ: «أنا قليل الرواية للشعر» فقال: لابدّ، فأنشده وهو جالس عنده:
 
«باتوا على قلل الاَجبال تحرسهم * غلب الرجال فما أغنتهم القلل
 واستنزلوا بعد عزّ من معاقلهم * وأُسكنوا حفراً يا بئس ما نزلوا
 ناداهمُ صارخ من بعد دفنهم * أين الاَسرّة والتيجان والحلل
 أين الوجوه التي كانت منعّمة * من دونها تضرب الاَستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود يقتتل(7)
قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا * فأصبحوا بعد طول الاَكل قد أُكِلوا»

 
 فبكى المتوكّل حتى بلّتْ لحيته دموع عينه وبكي الحاضرون، ورفع إلى عليّ أربعة آلاف دينار ثمّ ردّه إلى منزله مكرّماً(8).
 
آثاره العلمية

 روى الحفّاظ والرواة عن الاِمام أحاديث كثيرة في شتّى المجالات من العقيدة والشريعة، وقد جمعها المحدّثون في كتبهم، وبثّها الحرّ العاملي في كتابه الموسوم بـ«وسائل الشيعة» على أبواب مختلفة، وممّا نلفت إليه النظر أنّ للاِمام _ عليه السلام _ بعض الرسائل؛ وهي:
 1 ـ رسالته في الردّ على الجبر والتفويض وإثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين، أوردهابتمامها الحسن بنعلي بنشعبة الحرّانيفيكتابه الموسوم بـ«تحف العقول»(9).
 2 ـ أجوبته ليحيى بن أكثم عن مسائله، وهذه أيضاً أوردها الحرّاني في تحف العقول.
 3 ـ قطعة من أحكام الدين، ذكرها ابن شهر آشوب في المناقب.
 ولاَجل إيقاف القارىَ على نمط خاصّ من تفسير الاِمام نأتي بنموذج من هذا التفسير:
 قُدّم إلى المتوكّل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة، فأراد أن يقيم عليه الحدّ، فأسلم، فقال يحيى بن أكثم: الاِيمان يمحو ما قبله، وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، فكتب المتوكل إلى الاِمام الهادي يسأله، فلمّـا قرأ الكتاب، كتب: «يضرب حتى يموت» فأنكر الفقهاء ذلك، فكتب إليه يسأله عن العلّة، فكتب: (بسم الله الرحمن الرحيم فَلَمَّا رَأوْا بَأْسَنا قَالوا آمَنَّا بِالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشركينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمانُهُمْ لَمَّا رَأوْا بأسنا سُنَّة الله الَّتي قَدْ خَلَتْ في عبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الكافِرونَ )(10)، فأمر به المتوكّل فضرب حتّى مات(11).
 
شهادته _ عليه السلام _

 توفّي أبو الحسن _ عليه السلام _ في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ودفن في داره بسرّ من رأى، وخلّف من الولد أبا محمّد الحسن ابنه وهو الاِمام من بعده، والحسين، ومحمّد، وجعفر، وابنته عائشة، وكان مقامه بسرّ من رأى إلى أن قبض عشر سنين وأشهر، وتوفّي وسنّه يومئذ على ما قدمناه إحدى وأربعون سنة(12).
 وقد ذكر المسعودي في إثبات الوصيّة «تفصيل كيفية وفاته وتشييعه وإيصاء الاِمامة لابنه أبي محمّد العسكري» فمن أراد فليراجع(13).
 


(1) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب 4: 401 ط قم.
(2) شذرات الذهب 2: 128 في حوادث سنة 254.
(3) الارشاد: 327.

(4) الكلينى، الكافي 1: 323 ـ 325؛ الشيخ الحرّ العاملي، إثبات الهداة 3: 355 ـ 358.
(5) روي أنّ بريحة العباسي أحد أنصار المتوكل وأزلامه كتب إليه: إن كان لك بالحرمين حاجة فأخرج منها عليّ بن محمد؛ فإنّه قد دعا الناس إلى نفسه وتبعه خلق كثير.

(6) سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: 322.

(7) ربمّا يروى «ينتقل».
(8) المسعودي، مروج الذهب 4: 11.
(9) تحف العقول 238 ـ 352.

(10) غافر: 84 ـ85.
(11) مناقب آل أبيطالب 4: 403 ـ 405.
(12) الاِرشاد: 327.
(13) إثبات الوصية: 257.
Powered by: InnoPortal Plus 1.2 - Developed by: InnoFlame.com