الصفحة الرئيسية سجل الزوار راسلنا
» الرواية الاولى لشهادة الامام الجواد ع  
» مواضيع دينية




الإمام المهدي عليهم السلام في حديث اللوح

( بتاريخ: 13 شعبان 1414 ـ 26/1/1994 ـ 6/11/1372 )

طلب مني بعض الأفاضل أن أتكلم في موضوع يتعلق بولادة الإمام المهدي عليه السلام . ولعل بعضهم يتصورأني مقل في الكلام في هذه الأمور العقيدية وأنه يجب أن أتكلم أكثر ، لكن القضية ليست من عالم البخل والكرم ، بل لأني على يقين بأن مسائل المعصومين صلوات الله عليهم فوق تصورنا وإدراكنا.. فسبب قلة الكلام هو القصور والجهل والعجز ! وعندما أتكلم أحسب ذلك من باب الضرورة ، وباب ما لايدرك كله لا يترك كله .

الحمد لله أنكم بلغتم درجة من العلم تستطيعون فيها أن ترجعوا الى آيات القرآن وروايات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام وتتأملوا فيها ، وتستخرجوا منها المطالب والدقائق ، فاشكروا ربكم على هذه النعمة ، واشكروه على نعمة قبلها هي أنكم دونتم أسماءكم في خدام الإمام المهدي عليه السلام وهي نعمة لا تستطيعون شكرها !

والمهم أن تعملوا على أن تدون أسماؤكم في التأمل والتعمق في روايات أهل البيت عليهم السلام التي وزانها وزان القرآن ، فهي تعبير معصوم له أبعاد ، وظاهر وباطن، لأنها صادرة ممن أعطاهم الله تعالى إحاطة خاصة بالوجود ، فكلامهم يصدر عن هذه الإحاطة ، وليس كمن يحيط بالقليل ويتكلم الكثير !

إن كلماتهم صلوات الله عليهم تخاطب الناس كل الناس في كل العصور ، ولذا صار فيها علم للعامة والخاصة ، وهو ما نعبر عنه بأنها للعامة عبارات وللخاصة إشارات !

وأحاديثهم عليهم السلام متفاوتة المستويات، تبعاً للموضوع أو لنقل الراوي بالمعنى وغير ذلك من الأسباب.. وبعضها يبلغ بمطالبه الراقية مقاماً من الرفعة يحير العقول ، ومن ذلك حديث اللوح الذي يرويه الكليني أعلى الله مقامه في الكافي ، وعندما ترجعون اليه أنتم ستجدون أنه بلغ عند أبي بصير أنه قال لعبد الرحمن بن سالم: لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك ، فصنه إلا عن أهله ) ! وهذا هو:

عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري إن لي إليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ فقال له جابر:أي الأوقات أحببته ، فخلا به في بعض الأيام فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح مكتوب؟فقال جابر: أشهد بالله أني دخلت على أمك فاطمة عليها السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهنيتها بولادةالحسين، ورأيت في يديها لوحاً أخضر، ظننت أنه من زمرد ، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه لون الشمس فقلت لها: بأبي وأمي يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا لوحٌ أهداه الله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه إسم أبي وإسم بعلي وإسم ابني وإسم الأوصياء من ولدي وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك .

قال جابر فأعطتنيه أمك فاطمة عليها السلام فقرأته واستنسخته .

فقال له أبي: فهل لك يا جابر أن تعرضه علي؟ قال: نعم ، فمشى معه أبي إلى منزل جابر فأخرج صحيفة من رق فقال: يا جابر أنظر في كتابك لأقرأ عليك.

فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي ، فما خالف حرف حرفاً ، فقال جابر:

فأشهد بالله أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً . بسـم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين. عظِّم يا محمد أسمائي ، واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، إني أنا الله لاإله إلا أنا ، قاصم الجبارين ، ومديل المظلومين، وديان الدين. إني أنا الله لاإله إلا أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي، عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين ، فإياي فاعبد ، وعليَّ فتوكل . إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصياً، وإني فضلتك على الأنبياء وفضلت وصيك على الأوصياء ، وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين ، فجعلت حسناً معدن علمي ، بعد انقضاء مدة أبيه . وجعلت حسيناً خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة ، وختمت له بالسعادة ، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامة معه وحجتي البالغة عنده ، بعترته أثيب وأعاقب ، أولهم علي سيد العابدين وزين أوليائي الماضين ، وابنه شبه جده المحمود محمد، الباقر علمي ، والمعدن لحكمتي . سيهلك المرتابون في جعفر ، الراد عليه كالراد عليَّ ، حقَّ القول مني لأكرمنَّ مثوى جعفر ، ولأسرنَّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه.

أتيحت بعده لموسى فتنة عمياء حندس، لأن خيط فرضي لا ينقطع ، وحجتي لا تخفى، وإن أوليائي يسقون بالكأس الأوفى، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي ، ومن غير آية من كتابي فقد افترى عليَّ .

ويلٌ للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة موسى عبدي وحبيبي وخيرتي في علي وليي وناصري ، ومن أضع عليه أعباء النبوة ، وأمتحنه بالاضطلاع بها ، يقتله عفريت مستكبر، يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح ، إلى جنب شر خلقي .

حق القول مني لأسرنه بمحمد ابنه ، وخليفته من بعده ، ووارث علمه ، فهو معدن علمي ، وموضع سري ، وحجتي على خلقي ، لا يؤمن عبد به إلا جعلت الجنة مثواه ، وشفَّعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار.

وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري ، والشاهد في خلقي، وأميني علي وحيي . أخرج منه الداعي إلى سبيلي ، والخازن لعلمي ، الحسن .

وأكمل ذلك بابنه (م ح م د)رحمةً للعالمين، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى، وصبر أيوب ، فيذل أوليائي في زمانه ، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ، فيقتلون ويحرقون ، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين ، تصبغ الأرض بدمائهم ، ويفشو الويل والرنا في نسائهم ، أولئك أوليائي حقاً ، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل وأدفع الآصار والأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ، وأولئك هم المهتدون.

قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك ، فصنه إلا عن أهله). انتهى.(الكافي:1/527 ، وقد تقدم بتمامه في الموضوع رقم:25) .

هذا لوحٌ أهداه الله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ....وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك..

يتضح بذلك أن شأن نزول هذا اللوح مناسبة ولادة الإمام الحسين عليه السلام وأن الله تعالىورسوله صلى الله عليه وآله وسلم قدأخبرا الزهراء عليها السلام في اليوم الأول لولادته بما سيجري عليه ، وكان لابد من إخبارها بذلك !

والإمام الحسين عليه السلام له جاذبية خاصة في القلوب بمجرد ذكر اسمه: إن للحسين محبة مكنونة في قلوب المؤمنين، فكيف لشخصه ولطفولته في قلب أمه الزهراء عليها السلام ؟!

وكيف يكون حالها عندما عرفت أن طفلها هذا الذي هو في يومه الأول ، سيقطع رأسه غريباً فريدأً عطشانأً على شاطئ الفرات ؟!

هنا يتجلى مقام فاطمة عليها السلام عند الله تعالى ، وهنا يحين موعد البشارة الإلهية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولها بالأئمة المعصومين من ذرية الحسين عليهم السلام وبدورهم في هذه الأمة ، إلى مهديهم المذخور لإصلاح العالم عليه السلام .

فقالت: هذا لوحٌ أهداه الله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه إسم أبي وإسم بعلي وإسم ابني وإسم الأوصياء من ولدي، وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك !

هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيه...

فقد جمع بين اسم العزة واسم الحكمة ، وهو بحث نكتفي بالإشارة إليه ، ونواصل القراءة لنتعرف على هذا الكتاب ممن ؟ إلى من ؟

لاحظوا عناوين المخاطب والمخاطب !

المخاطِب هو: الله ، العزيز ، الحكيم .

والمخاطَب هو: نبيه ، ونوره ، وسفيره ، وحجابه ، ودليله .

وفي كل واحد من هذه العناوين بحث لا يتسع له وقتنا ، فقط أرجو أن تتأملوا في كلمة (نوره) ، ففي آخر آية النور:يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمٌ ( سورة النور: 35 )

ومما أريد الإشارة إليه أن من يدقق في الحديث القدسي يلاحظ أولاً ، أنه ذكر أسماء الأئمة عليهم السلام جميعاً مع أهم خصائص كل منهم ، وهو مطابق لما صح عندنا من ذكرهم في التوراة والإنجيل قبل تحريفهما بعددهم وأسمائهم، وقد بقي نص في التوراة بعد تحريفها يذكر عددهم ! قال ابن كثير في البداية والنهاية: 6/280: (وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: أن الله تعالى بشر إبراهيم بإسماعيل وأنه ينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثني عشر عظيماً). انتهى.

ويقصد ابن كثير ما في التوراة الفعلية- العهد القديم والجديد: :1/25- طبعة مجمع الكنائس الشرقية، في سفر التكوين، الإصحاح السابع عشر، قال: ( 18 - وقال إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك . 19- فقال الله: بل سارة امرأتك تلد لك ابناً وتدعو اسمه إسحق ، وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً لنسله من بعده . 20 - وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ، ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً . اثني عشر رئيساً يلد ، وأجعله أمة كبيرة. 21- ولكن عهدي أقيمه مع إسحق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت، في السنة الآتية ).

وقد ترجمها كعب الأحبار (اثني عشر قيِّماً) وترجمها بعضهم (اثني عشر إماماً).. فالنص موجود في التوراة ، وفي مصادر السنة والشيعة ، وهو مؤيد لبشارة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم .

ونلاحظ ثانياً، أنه لم يذكر في الحديث القدسي من أصحاب الأئمة عليهم السلام وشيعتهم إلا أصحاب الإمام الصادق عليه السلام في ثلاث كلمات: حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر ، ولأسرنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه.

لكن عندما يصل الكلام الى الإمام المهدي عليه السلام في آخر حديث اللوح، يفصل الله الكلام عن أوليائه عليه السلام ويعبر عنهم بأنهم أولياء الله تعالى! فيقول عز وجل: (وأكمل ذلك بابنه (م ح م د) رحمة للعالمين، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى، وصبر أيوب، فيذل أوليائي في زمانه..الخ.لاحظوا أنه تعالى نسب أصحاب الإمام الصادق عليه السلام حملة أحاديث أهل البيت عليهم السلام بعد الفتن الشديدة التي لاقاها الشيعة ، ونسبهم الى الإمام الصادق عليه السلام : لأكرمن مثوى جعفر ولأسرنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه ، لكنه تكلم عن أصحاب المهدي عليه السلام فنسبهم الى نفسه فقال(أوليائي) ثم تكلم عن إذلال الطغاة لهم وتقتيلهم وتشريدهم...الى أن قال: أولئك أوليائي حقاً ! وأرجو ان أوفق للحديث عن فرق أهل عصر الغيبة عن أهل عصر الحضور.

ونلاحظ هنا ، أن حديثه تعالى عن الإمام المهدي عليه السلام جاء بشكل حديث عن أصحابه والمؤمنين في زمنه! فلماذا قال: بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل، وأدفع الآصار والأغلال، ولم يقل (به) ؟ كأنه تعالى يقول إن وجود وليي المهدي أعلى من أن أقول به أدفع الفتن والزلازل ، فهذه أدفعها بخدامه وأصحابه! وهو محورهم وسيدهم والقدرات التي أعطيناه إياها أعظم من ذلك !

إن ما أنقله عن المرحوم السيد جمال الدين الخونساري المعروف بصاحب روضات الجنات ، وهو من أكابر علمائنا قدس سره يوضح المطلب ، فقد أوصى أن يعد له قبر خارج أصفهان ، مع أن في المدينة مقبرة تاريخية يرغب المؤمنون أن يدفنوا فيها، لأنها مليئة بالعلماء والصالحين، ولما سألوه عن السبب سكت، فألحوا عليه حتى قال لهم: كان لي صديق تاجر أثق بصدقه وتدينه وقد أصر عليَّ أن أكون وصيه فقبلت رغم أني لا أقبل الوصية عن أحد، ونقل لي رحمه الله هذه القصة: قال: ذهبت إلى حج بيت الله الحرام عن طريق العراق حتى أفوز بزيارة الأئمة عليهم السلام في ذهابي ورجوعي ، وعندما وصلت إلى النجف كان عندي رسالة بحوالة فأردت أن أستلمها يوم حركة القافلة ، فتأخرت إلى المغرب ، وجئت لألتحق بالقافلة فوجدتها قد خرجت وأقفلوا باب سور النجف ، فبتُّ في تلك الليلة داخل السور ، وخرجت أول الصبح مسرعاً لألتحق بالقافلة ، ولكني كلما مشيت في الصحراء لم أجدها ! فرجعت إلى النجف متحيراً فوجدت باب السور قد أغلق أيضاً ، فبتُّ خارج السور !

وفي وسط الليل رأيت فجأة شخصاً درويشاً عليه ثياب رثة ، قال لي: أنت البارحة تخلفت عن القافلة ، فلماذا تركت صلاة الليل؟! إنهض وتعالى معي !

فخطوت معه أقداماً فرأيت شخصاً جليلاً فنظر إلينا وقال للدرويش: خذه إلى مكة ! فقال لي الدرويش: إذهب وتعال في الوقت الفلاني ، فذهبت وعدت إليه في الوقت الذي عينه فقال لي: إمش خلفي وضع قدمك مكان قدمي ! وتقدم أمامي ولم يمش إلا بضع خطوات حتى رأيت نفسي صرت في مكة ! فأراد أن يودعني فقلت له: كم تتفضل عليَّ إذا أكملت جميلك وأرجعتني بعد الحج إلى النجف ، فقَبِل وواعدني في يوم ومكان !

وبعد أن أكملت مناسكي قصدت المكان فوجدته ، فقال لي كما قال أولاً: إمش خلفي وضع قدمك مكان قدمي ، وبعد خطوات رأيت أني صرت في النجف ! فقال لي: لا تقل لرفقائك، قل لهم جئت مع أحدهم ووصلنا قبلكم. ثم قال لي: لي إليك حاجة. قلت: أنا حاضر ، ما هي ؟ قال: سأقولها لك في أصفهان . وعدت إلى أصفهان حتى كان يوم رأيت فيه صاحبي الدرويش بين الحمالين في سوق أصفهان، فجاءني وقال لي: أنا ذلك الشخص الذي أوصلتك الى مكة ، وهذا وقت حاجتي التي وعدتني بها! قلت نعم فما هي؟ قال: أناأسكن في المكان الفلاني، وفي اليوم الفلاني أموت، فتعال إلى مكاني، وفي صندوقي ثمانية توامين ، فاصرفها على تكفيني ودفني وادفني وأخذني الى المحل الذي اختاره قبراً فدلني عليه ، وقال إدفنني هنا !

قال صاحب روضات الجنات رحمه الله : هذا هو المكان الذي اختاره ذلك الولي اخترته أنا لأدفن فيه !

إن هذا مستوى الخادم من أصحابه عليه السلام ! وإذا كان خدامه يقومون بعمل آصف بن برخيا ، فكيف به هو صلوات الله عليه ؟!

وا حسرتنا على عمرنا الذي قضيناه ، ولم نعرف ماذا عملنا فيه ، وعمن ابتعدنا ؟ فكم نذكره عليه السلام حتى يذكرنا ؟ وكم عملنا له حتى يجازينا ؟!

ذلك الإمام الذي يصفه الله تعالى بأنه خاتم الأئمة عليهم السلام وتكملتهم ورحمة للعالمين ، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب !

رحمةً للعالمين.. لم يقلها سبحانه لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ . ( سورة الأنبياء: 107 ) ، ولشخص آخر هو صاحب الزمان عليه السلام !

ولا يمكننا أن نفهم معنى: رَحْمَةً لِلْعَالَمِين، إلا إذا فهمنا معنى: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فبعدها إسمان من أسماء الله الحسنى: الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ، والسبب في ذلك أن ربوبية عوالم الوجود من عوالم الملك والملكوت ، لها لب ولها قشر، سنة الله في مخلوقاته: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَاب. ( سورة آل عمران:190) ، فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شئ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون. ( سورة يس:83 ) ، أما القشر الذي هو عالم الملك، فيحتاج الى ربوبية وتربية بواسطة إسم الرحمن ليسير نحو تكامله . وأما اللب الذي هو عالم الملكوت ، فيحتاج الى ربوبية بإسم الرحيم، ليبلغ كماله.

إن القرآن معجزة لكافة الناس ، وهو معجزة بالأخص للذين يفهمون! فهم الذين يدركون أن كمال البشرية لايتحقق إلا بالقرآن الذي نزل على قلب سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم . وأن الذي يجمع مظهر الإسمين معاً: الرحمن الرحيم، هما شخصان في الوجود: خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم وخاتم الوصيين الإمام المهدي عليه السلام !

هذا هو مقام الحجة بن الحسن أرواحنا فداه ، وإنما يعرفه الإنسان إذا وصل مستوى يؤهله لمعرفة:رحمة للعالمين، ويصل الى مخ الحكمة والعلم ، فيفهم أنه حيثما ذهب في مناطق الوجود وتعقل أن الفاعل الذي منه الوجود هو ذات الخالق المقدس عز وجل ، فإن ما به الوجود في كل العوالم ، هو حجة الله على خلقه الحجة بن الحسن صلوات الله عليه.

هذه سعة ولاية الإمام المهدي عليه السلام ، وهذه عظمة مقامه أرواحنا له الفداء !

إرجعوا الى روايات أهل البيت عليهم السلام واقرؤوا نصوصها وافهموا منها ، وعرِّفوا الناس ما فهمتم من مقام النبي وآله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة الإمام المهدي عليه السلام ، فلا مظلوم في عصرنا مثله !

هذا الوجود المقدس الذي لو لم يخلقه الله تعالى لما ختم عهده في اللوح إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بوصفٍ صار به ثاني نبيه فقال عنه: رحمة للعالمين!

أما صفات الإمام الأخرى في عهد اللوح فهي: عليه كمال موسى، وبهاء عيسى وصبر أيوب عليهم السلام ، ولا يتسع الوقت لنبين كمال موسى وبهاء عيسى ، ونشير إلى صبر أيوب الذي هو مثل في صبر الأنبياء عليهم السلام ، فهل رأيت أصبر من إنسان كشف له الحجاب فهو يرى الأمور على واقعها ولو بعد عصرها ، يزور قبر جدته الصديقة الكبرى فتتجسد له ظلاماتها ، ويرى الضلع الكسير ، والجسم العليل!

ويزور قبر جده موسى بن جعفر فيرى ساقه المرضوضة من حلق القيود ، وبدنه الناحل المسموم !

ويزور جده علي بن موسى الرضا فيرى وجهه الذي غيره السم ، ويرى في النجف ضربة السيف على مفرق جده !

ثم يعرج على كربلاء فيرى ذلك البدن التريب الذي لم تستطع الملائكة أن تنظر إليه وتراه ! نعم إن عليه صبر أيوب.. صبر أيوب عليهم السلام !

اللهم إنا مقصرون . اللهم إنا قاصرن. اللهم بالحرمة التي لوليك الحجة عندك ، هذه الحرمة الرفيعة التي أنزلتها مع جبرئيل في عهدك لنبيك ، المكتوب على لوح من عندك ، وبينت فيه مقام أولياء الإمام المهدي عليه السلام ، وأنك تدفع بهم البلاء والفتن ، وجعلت مقامه في درجة عليا فوق مقامهم.. أن تعفو عنا ، وتشمل حالنا نحن الفقراء بنظرة منه في هذا اليوم .

اللهم إن ما نطلبه منك ، بالحق الذي لك عليه والحرمة التي لك عنده ، والحق الذي جعلته له عليه ، والحرمة التي جعلتها له.. أن تجعله ينظر الينا ويرفع يده بالدعاء لنا


Powered by: InnoPortal Plus 1.2 - Developed by: InnoFlame.com