الصفحة الرئيسية سجل الزوار راسلنا
» الرواية الاولى لشهادة الامام الجواد ع  
» سيرة الأئمة (ع)




أمير المؤمنين علي بن أبي طالب _ عليه السلام _


 إنّ الاِمام علي بن أبي طالب أشهر من أن يعرَّف، ولقد قام لفيف من السنّة والشيعة بتأليف كتب وموسوعات عن حياته، ومناقبه، وفضائله، وجهاده، وعلومه، وخطبه، وقصار كلماته، وسياسته، وحروبه مع الناكثين والقاسطين والمارقين، فالاَولى لنا الاكتفاء بالميسور في هذا المجال، وإحالة القارىَ إلى تلك الموسوعات، بيد أنّنا نكتفي هنا بذكر أوصافه الواردة في السنّة فنقول:
 هو أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين، وخاتم الوصيّين، وأوّل القوم إيماناً، وأوفاهم بعهد الله، وأعظمهم مزيّة، وأقومهم بأمر الله، وأعلمهم بالقضية، وراية الهدى، ومنار الاِيمان، وباب الحكمة، والممسوس في ذات الله، خليفة النبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _، الهاشمي، وليد الكعبة المشرّفة، ومُطهّرها من كل صنم ووثن، الشهيد في البيت الاِلـهي (مسجد الكوفة) في محرابه حال الصلاة سنة 40هـ.
 وكلّ جملة من هذه الجمل، وعبارة من هذه العبارات، كلمة قدسيّة نبويّة أخرجها الحفّاظ من أهل السنّة(1).

 
مكوّنات الشخصيّة الاِنسانية


فإنّ في مقدور كل معلّم أن يرسم مصير الطفل ومستقبله من خلال ما يلقي إليه من تعليمات وتوصيات وما يعطيه من سيرة وسلوك ومن آراء وأفكار، فكم من بيئة حوّلت أفراداً صالحين إلى فاسدين، أو فاسدين إلى صالحين.
  وإنّ تأثير هذين العاملين المهمّين من الوضوح بحيث لايحتاج إلى المزيد من البيان والتوضيح. على أننّا يجب أن لاننسى دور إرادة الاِنسان نفسه وراء هذه العوامل الثلاثة.
 
مكوّنات شخصيّة الاِمام علي _ عليه السلام  _

1 ـ الاِمام علي _ عليه السلام  _ والوراثة من الاَبوين:
 لقد انحدر الاِمام علي من صلب والد عظيم الشأن، رفيع الشخصيّة هو أبوطالب، ولقد كان أبو طالب زعيم مكّة، وسيّد البطحاء، ورئيس بني هاشم، وهو إلى جانب ذلك،كان معروفاً بالسماحة والبذل والجود والعطاء والعطف والمحبّة والفداء والتضحية في سبيل الهدف المقدّس، والعقيدة التوحيديّة المباركة.
 فهو الذي تكفّل رسول الله منذ توفّي جدّه وكفيله الاَوّل عبدالمطلب وهو آنذاك في الثامنة من عمره، وتولّى العناية به والقيام بشؤونه، وحفظه وحراسته في السفر والحضر، بإخلاص كبير واندفاع وحرص لانظير لهما، بل وبقي يدافع عن رسالة التوحيد، والدين الحق الذي جاء به النبي الكريم _ صلى الله عليه وآله وسلم _ ويقوم في سبيل إرساء قواعده ونشر تعاليمه بكل تضحية وفداء، و يتحمّل لتحقيق هذه الاَهداف العليا كلّ تعب  ونصب وعناء.
 وقد انعكست هذه الحقيقة وتجلّى موقفه هذا في كثير من أشعاره وأبياته المجموعة في ديوانه بصورة كاملة مثل قوله:
 

ليعلم خيار الناس أنّ محمّداً .... نبيّ كموسى والمسيح ابن مريم

 وقوله:

 
ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّداً .. رسولاً كموسى خُطّ في أوّل الكتب(2)

  إنّ من المستحيل أن تصدر أمثال هذه التضحيات التي كان أبرزها محاصرة بني هاشم جميعاً في الشعب، ومقاطعتهم القاسية، من دافع غير الاِيمان العميق بالهدف والشغف الكبير بالمعنوية، الذي كان يتّصف به أبوطالب؛ إذ لا تستطيع مجرّد الوشائج العشائرية، وروابط القربى، أن توجِد في الاِنسان مثل هذه الروح التضحويّة.
  إنّ الدلائل على إيمان أبي طالب بدين ابن أخيه تبلغ من الوفرة والكثرة بحيث استقطبت اهتمام كلّ المحقّقين المنصفين والمحايدين، ولكن بعض المتعصّبين توقّف في إيمان تلك الشخصية المتفانية العظيمة، بالدعوة المحمدية، بينما تجاوز فريق هذا الحدّ إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث قالوا بأنّه مات غير مؤمن.
  ولو صحّت عُشر هذه الدلائل الدالّة على إيمان أبي طالب الثابتة في كتب التاريخ والحديث في حقّ رجل آخر لما شكّ أحد في إيمانه فضلاً عن إسلامه، ولكن لايعلم الاِنسان لماذا لاتسطيع كل هذه الاَدلّة إقناع هذه الزمرة، و إنارة الحقيقة لهم؟!

  هذا عن والد الاِمام أمير المؤمنين _ عليه السلام _.

 وأمّا أُمّه فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم وهي من السابقات إلى الاِسلام والاِيمان برسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ وقد كانت قبل ذلك تتّبع ملّة إبراهيم.
  إنّها المرأة الطاهرة التي لجأت ـ عند المخاض ـ إلى المسـجد الحـرام، وألصقت نفسها بجدار الكعبة وأخذت تقول:
 «يا ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم وإنّه بنى البيت العتيق، فبحقّ الذي بنى هذا البيت و(بحقّ) المولود الذي في بطني إلاّ ما يسّرت عليّ ولادتي». فدخلت فاطمة بنت أسد الكعبة ووضعت عليّاً هناك(3).
  تلك فضيلة نقلها قاطبة المؤرّخين والمحدّثين الشيعة، وكذا علماء الاَنساب في مصنّفاتهم، كما نقلها ثلّة كبيرة من علماء السنّة وصرّحوا بها في كتبهم، واعتبروها حادثة فريدة، وواقعة عظيمة لم يسبق لها مثيل(4).
 وقال الحاكم النيسابورى: وقد تواترت الاَخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه في جوف الكعبة(5).
  وقال شهاب الدين أبو الثناء السيد محمود الآلوسي: «وكون الاَمير كرّم الله وجهه، ولد في البيت، أمر مشهور في الدنيا ولم يشتهر وضع غيره كرّم الله وجهه، كما اشتهر وضعه»(6).
 

2 ـ الامام عليّ وتربيته في حجر النبيّ: _ صلى الله عليه وآله وسلم _
  وأمّا التربية الروحية والفكرية والاَخلاقية فقد تلقّاها علي _ عليه السلام  _ في حجر رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ وهي الضلع الثاني من أضلاع شخصيته الثلاثة.
  ولو أنّنا قسّمنا مجموعة سنوات عمر الاِمام _ عليه السلام  _ إلى خمسة أقسام لوجدنا القسم الاَوّل من هذه الاَقسام الخمسة من حياته الشريفة، يؤلّف السنوات التي قضاها _ عليه السلام  _ قبل بعثة النبي الاَكرم _ صلى الله عليه وآله وسلم _.
  وانّ هذا القسم من حياته الشريفة لا يتجاوز عشر سنوات؛ لاَنّ اللّحظة التي ولد فيها عليّ _ عليه السلام  _ لم يكن النبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ قد تجاوز الثلاثين من عمره المبارك، هذا مع العلم بأنّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ قد بعث بالرسالة في سنّ الاَربعين.
  وعلى هذا الاَساس لم يكن الاِمام عليّ _ عليه السلام _ قد تجاوز السنة العاشرة من عمره يوم بعث رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ بالرسالة، وتوّج بالنبوّة.
  إنّ أبرز الحوادث في حياة الاِمام عليّ _ عليه السلام  _ هو تكوين الشخصية العلوية، وتحقّق الضلع الثاني من المثلّث الذي أسلفناه بواسطة النبيّ الاَكرم، وفي ظلّ ما أعطاه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ لعليّ _ عليه السلام  _ من أخلاق وأفكار؛ لاَنّ هذا القسم في حياة كل إنسان وهذه الفترة من عمره هي من اللحظات الخطيرة، والقيّمة جدّاً،فشخصيّة الطفل في هذه الفترة تشبه صفحة بيضاء نقيّة تقبل كلّ لون، وهي مستعدّة لاَن ينطبع عليها كلّ صورة مهما كانت، وهذه الفترة من العمر تعتبر ـ بالتالي ـ خير فرصة لاَن ينمّي المربّون والمعلّمون فيها كلّما أودعت يد الخالق في كيان الطفل من سجايا طيّبة وصفات كريمة، وفضائل أخلاقية نبيلة، ويوقفوا الطفل ـ عن طريق التربية ـ على
القيم الاَخلاقية والقواعد الاِنسانية وطريقة الحياة السعيدة، وتحقيقاً لهذا الهدف الساميّ تولّى النبي الكريم _ صلى الله عليه وآله وسلم _ بنفسه تربية عليّ _ عليه السلام  _ بعد ولادته، وذلك عندما أتت فاطمة بنت أسد بوليدها عليّ _ عليه السلام  _ إلى رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ فلقيت من رسول الله حبّاً شديداً لعليّ حتّى أنّه قال لها: «اجعلي مهده بقرب فراشي» وكان _ صلى الله عليه وآله وسلم _ يطهّر علياً في وقت غسله، ويوجره اللّبن عند شربه، ويحرّك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويلاحظه ويقول: «هذا أخي، ووليّي، وناصري، وصفيّي، وذخري، وكهفي، وصهري، ووصيّي، و زوج كريمتي، وأميني على وصيّتي، وخليفتي»(7).


ولقد كانت الغاية من هذه العناية هي أن يتمّ توفير الضلع الثاني في مثلّث الشخصية (وهو التربية) بواسطته _ صلى الله عليه وآله وسلم _، وأن لا يكون لاَحد غير النبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ دخل في تكوين الشخصية العلوية الكريمة.
 وقد ذكر الاِمام عليّ _ عليه السلام  _ ما أسداه الرسول الكريم إليه وما قام به تجاهه في تلكم الفترة إذ قال:
 «وقد علمتم موضعي من رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ بالقرابة القريبة، والمنزلة الخَصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد، يضمّني إلى صدره، ويَكنُفني في فراشه، ويمسُّني جسدَه، ويُشمّني عَرْفَه، وكان يمضغ الشيء ثمّ يُلقمنيه»(8).
 

النبي يأخذ عليّاً إلى بيته:
 وإذ كان الله تعالى يريد لولي دينه أن ينشأ نشأة صالحة وأن يأخذ النبي عليّاً إلى بيته وأن يقع منذ نعومة أظفاره تحت تربية النبي الاَكرم _ صلى الله عليه وآله وسلم _، ألفت نظر نبيّه إلى ذلك.

قد ذكر المؤرّخون أنّه أصابت مكّة ـ ذات سنة ـ أزمة مهلكة وسنة مجدبة منهكة، وكان أبوطالب ـ رضي الله عنه ـ ذا مال يسير وعيال كثير فأصابه ما أصاب قريشاً من العدم والضائقة والجهد والفاقة، فعند ذلك دعا رسول الله عمّه العباس إلى أن يتكفّل كل واحد منهما واحداً من أبناء أبي طالب وكان العباس ذا مال وثروة وجدة فوافقه العباس على ذلك؛ أخذ النبي عليّاً، وأخذ العباس جعفراً وتكفّل أمره، وتولّى شؤونه(9).
 هكذا وللمرّة الاَُخرى أصبح عليّ _ عليه السلام  _ في حوزة رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _بصورة كاملة، واستطاع بهذه المرافقة الكاملة أن يقتطف من ثمار أخلاقه العالية وسجاياه النبيلة، الشيء الكثير، وأن يصل تحت رعاية النبي وعنايته وبتوجيهه وقيادته،إلى أعلى ذروة من ذرى الكمال الروحي.
 وهذا هو الاِمام أمير المؤمنين _ عليه السلام  _ يشير إلى تلك الاَيام القيّمة وإلى تلك الرعاية النبويّة المباركة المستمرّة إذ يقول:
«ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أُمّه، يرفع لي كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به»(10).
 

عليّ في غار حراء
 كان النبيّ ـ حتّى قبل أن يبعث بالرسالة والنبوّة ـ يعتكف ويتعبّد في غار حراء شهراً من كلّ سنة، فإذا انقضى الشهر وقضى جواره من حراء انحدر من الجبل، وتوجّه إلى المسجد الحرام رأساً وطاف بالبيت سبعاً، ثم عاد إلى منزله.وهنا يطرح سؤال: ماذا كان شأن عليّ _ عليه السلام _ في تلك الاَيام التي كان يتعبّد ويعتكف فيها

رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ في ذلك المكان مع ما عرفناه من حبّ الرسول الاَكرم له؟ هل كان يأخذ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ عليّاً معه إلى ذلك المكان العجيب أم كان يتركه ويفارقه؟
  إنّ القرائن الكثيرة تدلّ على أنّ النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ منذ أن أخذ علياً لم يفارقه يوماً أبداً؛ فهاهم المؤرّخون يقولون: كان عليّ يرافق النبيّ دائماً ولا يفارقه أبداً، حتّى أنّ رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ كان إذا خرج إلى الصحراء أو الجبل أخذ عليّاً معه(11).
  يقول ابن أبي الحديد: وقد ذكر عليّ _ عليه السلام _ هذا الاَمر في الخطبة القاصعة إذ قال:
  «ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء، فأراه ولايراه غيري»(12).
 إنّ هذه العبارة وإن كانت محتملة في مرافقته للنبيّ في حرّاء بعد البعثة الشريفة إلاّ أنّ القرائن السابقة وكون مجاورة النبيّ بحراء كانت في الاَغلب قبل البعثة، تؤيّد أنّ هذه الجملة، يمكن أن تكون إشارة إلى صحبة عليّ للنبيّ في حراء قبل البعثة.
  إنّ طهارة النفسيّة العلوية، ونقاوة الروح التي كان عليّ _ عليه السلام _ يتحلّى بها، والتربية المستمرّة التي كان يحظى بها في حجر رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _، كل ذلك كان سبباً في أن يتّصف عليّ _ عليه السلام _ ـ ومنذ نعومة أظفاره ـ ببصيرة نفّاذة وقلب مستنير، وأُذن سميعة واعية تمكّنه من أن يرى أشياءَ ويسمع أمواجاً تخفى على الناس العاديين،و يتعذّر عليهم سماعها ورؤيتها، كما يصرّح نفسه بذلك إذ يقول:
  «أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة»(13).
  يقول الاِمام الصادق _ عليه السلام _:
 «كان عليّ _ عليه السلام _ يرى مع رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ قبل الرسالة الضوء، ويسمع الصوت».
 وقد قال له النبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _: لولا أنّي خاتم الاَنبياء لكنتَ شريكاً في النبوّة، فإن
لاتكن نبيّاً فإنّك وصيّ نبيّ ووارثه، بل أنت سيّد الاَوصياء وإمام الاَتقياء»(14).
  ويقول الاِمام عليّ _ عليه السلام  _: «لقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان أيس من عبادته، ثمّ قال له:
  «إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلاّ أنّك لست بنبيّ ولكنّك وزير»(15).
  هذا هو الرافد الثاني الذي كان يرفد الشخصية العلوية بالاَخلاق والسجايا الرفيعة.
 

3 ـ البيئة الرسالية وشخصية الاِمام:
 ولو أضفنا ذينك الاَمرين (أي ما اكتسبه من والديه الطاهرين بالوراثة، وما تلقّاه في حجر النبيّ) إلى ما أخذه من بيئة الرسالة والاِسلام من أفكار وآراء رفيعة، وتأثّر عنها أدركنا عظمة الشخصية العلوية من هذا الجانب.
 ومن هنا يحظى الاِمام عليّ _ عليه السلام _ بمكانة مرموقة لدى الجميع؛ مسلمين وغير مسلمين؛ لما كان يتمتّع به من شخصية سامقة، وخصوصيات خاصّة يتميّز بها.
 وهذا هو ما دفع بالبعيد والقريب إلى أن يصف عليّاً بما لم يوصف به أحد من البشر، ويخصّه بنعوت، حرم منها غيره، فهذا الدكتور شبلي شميل المتوفّى سنة 1335هـ|1917م وهو من كبار المادّيين في القرن الحاضر يقول:
 الاِمام عليّ بن أبي طالب عظيم العظماء نسخة مفردة لم ير لها الشرق ولا الغرب صورة طبق الاَصل لا قديماً ولاحديثاً(16).
  قال عمر بن الخطّاب: 

«عقمت النساء أن يلدن مثل عليّ بن أبي طالب»(17).
  ويقول جورج جرداق الكاتب المسيحي اللبناني المعروف:
 «وماذا عليك يا دنيا لو حشدت قواك فأعطيت في كلّ زمن عليّاً بعقله وقلبه ولسانه وذي فقاره»(18).
  هذه الاَبعاد التي ألمحنا إليها هي الاَبعاد الطبيعية للشخصية العلوية.
 
البعد المعنوي لشخصيّة الاِمام _ عليه السلام _:
 غير أنّ أبعاد شخصية الاِمام عليّ _ عليه السلام _ لاتنحصر في هذه الاَبعاد الثلاثة؛ فإنّ لاَولياءالله سبحانه بعداً رابعاً، داخلاً في هويّة ذاتهم، وحقيقة شخصيتهم، وهذا البعد هوالذي ميّزهم عن سائر الشخصيات وأضفى عليهم بريقاً خاصّاً ولمعاناً عظيماً.
 وهذا البعد هو البعد المعنوي الذي ميّز هذه الصفوة عن الناس، وجعلهم نخبة ممتازة وثلّة مختارة من بين الناس؛ وهو كونهم رسل الله وأنبياءه، أو خلفاءه وأوصياء أنبيائه.
  نرى أنّه سبحانه يأمر رسوله أن يصف نفسه بقوله: «قُلْ سُبْحان َربِّي هَلْ كُنْتُ إلاّ بَشَراً رَسُولاً»(19).
  فقوله: «بَشَراً» إشارة إلى الاَبعاد البشرية الموجودة في كلّ إنسان طبيعيّ، وإن كانوا يختلفون فيها فيما بينهم كمالاً ولمعاناً.
  وقوله: «رَسُولاً» إشارة إلى ذلك البعد المعنوي الذي ميّزه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ عن الناس وجعله

معلّماً وقدوة للبشر، فلاَجل ذلك يقف المرء في تحديد الشخصيات الاِلهية على شخصية مركّبة من بعدين: طبيعي و إلهي ولا يقدر على توصيفها إلاّ بنفس ما وصفهم به الله سبحانه مثل قوله في شأن الرسول الأكرم _ صلى الله عليه وآله وسلم _:
  (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الاَُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالاِنْجِيلِ يَأمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيّباتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَ الاَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ )(20)وقد نزلت في حقّ الاِمام أميرالمؤمنين _ عليه السلام _ آيات، ووردت روايات.
  كيف وقد قال رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _:
  «عنوان صحيفة المؤمن حبّ عليّ بن أبي طالب _ عليه السلام _»(21).
  وقال _ صلى الله عليه وآله وسلم _:
 «من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي فليوال عليّاً بعدي، وليوال وليّه، وليقتد بالاَئمّة من بعدي؛ فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذّبين بفضلهم من أُمّتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي»(22).
  وقال الاِمام أحمد بن حنبل:
  ما لاَحد من الصحابة من الفضائل بالاَسانيد الصحاح مثل ما لعليّ2(23).
  وقال الاِمام الفخر الرازي:
  من اتّخذ عليّاً إماماً لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه(24).
   وقال أيضاً:
  من اقتدى في دينه بعليّ بن أبي طالب فقد اهتدى لقول النبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _: اللّهمّ أدر الحقّ مع عليّ حيث دار(25).
 

تسليط الضوء على شخصيته السامية:
 لاعتب على اليراع لو وقف عند تحديد شخصيّة كريمة معنويّة خصّها الله تعالى بمواهب وفضائل، وكفى في ذلك ما رواه طارق بن شهاب، قال: كنت عند عبدالله ابن عباس فجاء أُناس من أبناء المهاجرين فقالوا له: يا بن عباس أيّ رجل كان عليّ بن أبي طالب؟
 قال: ملىَ جوفه حكماً وعلماً وبأساً ونجدة وقرابة من رسول اللّه(26).
 روى عكرمة عن ابن عباس قال: ما نزل في القرآن: «يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» إلاّ وعليّ _ عليه السلام _ رأسها وأميرها، ولقد عاتب الله أصحاب محمّد في غير مكان، وما ذكر عليّاً إلاّ بخير(27).
 وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في عليّ(28).
 وقال ابن عباس: نزلت في عليّ أكثر من ثلاثمائة آية في مدحه(29).
 نكتفي في ترجمة عليّ _ عليه السلام _ بكلمتين عن تلميذيه اللّذين كانا معه سرّاً وجهراً.
  1 ـ قال ابن عباس ـ عندما سئل عن عليّ ـ: رحمة الله على أبي الحسن، كان
 

والله علم الهدى، وكهف التقى، وطود النهى، ومحلّ الحجى، وغيث الندى، ومنتهى العلم للورى، ونوراً أسفر في الدجى،وداعياً إلى المحجّة العظمى، ومستمسكاً بالعروة الوثقى، أتقى من تقمّص وارتدى، وأكرم من شهد النجوى بعد محمد المصطفى، وصاحب القبلتين، وأبو السبطين، وزوجته خير النساء، فما يفوقه أحد، لم تر عيناي مثله، ولم أسمع بمثله، فعلى من أبغضه لعنة الله ولعنة العباد إلى يوم التناد(30).
 2 ـ إنّ معاوية سأل ضرار بن حمزة بعد موت عليّ عنه، فقال: صف لي عليّاً، فقال: أو تعفيني؟ قال: صفه، قال: أو تعفيني؟ قال: لا أعفيك، قال: أمّا إذ لابدّ فأقول ما أعلمه منه:
 والله كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته،كان والله غزير الدمعة،طويل الفكرة، يقلّب كفّيه، ويخاطب نفسه،يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب.
 كان والله كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه ويبتدئنا إذا أتيناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منّا لانكلّمه هيبة، ولانبتدئه عظمة، إن تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظّم أهل الدين، ويحبّ المساكين،لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله.
 فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، وكأنّي أسمعه وهو يقول: يا دنيا أبي تعرّضت؟ أم إليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات غرّي غيري، قد باينتك ثلاثاً لارجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كثير، آه من قلّة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق.
 قال: فذرفت دموع معاوية على لحيته فما يملكها وهو ينشفها بكمّه وقد اختنق القوم بالبكاء، فقال معاوية: رحم الله أباالحسن! كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها؛ فلا ترقأ عبرتها ولايسكن حزنها(31).
 هذه شذرات من فضائله، وقبسات من مناقبه الكثيرة التي حفظها التاريخ من تلاعب الاَيدي.
 غير أنّه لا يعرف عليّاً غير خالقه، وبعده صاحب الرسالة الكبرى ابن عمه المصطفى _ صلى الله عليه وآله وسلم _.


تنصيب علي _ عليه السلام _ للاِمامة


 لا شكّ في أنّ الدين الاِسلامي دين عالميّ، وشريعة خاتمة، وقد كانت قيادة الاَُمّة الاِسلامية من شؤون النبيّ الاَكرم _ صلى الله عليه وآله وسلم _ما دام على قيد الحياة، وطبع الحال يقتضي أن يوكل مقام القيادة بعده إلى أفضل أفراد الاَُمّة وأكملهم.
 إنّ في هذه المسألة؛ وهي أنّ منصب القيادة بعد النبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ هل هو منصب تنصيصيّ تعيينيّ أو أنّه منصب انتخابيّ؟ اتّجاهين:
 فالشيعة ترى أنّ مقام القيادة منصب تنصيصيّ، ولابدّ أن يُنصّ على خليفة النبيّ من السماء، بينما يرى أهل السنّة أنّ هذا المنصب انتخابيّ جمهوريّ؛ أي أنّ على الاَُمّة أن تقوم بعد النبيّ باختيار فرد من أفرادها لاِدارة البلاد.
 إنّ لكل من الاتّجاهين المذكورين دلائل، ذكرها أصحابهما في الكتب العقائدية، إلاّ أنّ ما يمكن طرحه هنا هو تقييم ودراسة المسألة في ضوء دراسة وتقييم الظروف السائدة في عصر الرسالة؛ فإنّ هذه الدراسة كفيلة بإثبات صحّة أحد الاتّجاهين.
 إنّ تقييم الاَوضاع السياسية داخل المنطقة الاِسلامية وخارجها في عصر الرسالة يقضي بأنّ خليفة النبىّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _لابدّ أن يعيَّـن من جانب الله تعالى، ولا يصحّ أن يوكل هذا إلى الاَُمّة؛ فإنّ المجتمع الاِسلامي كان مهدّداً على الدوام بالخطر الثلاثي (الروم ـ الفرس ـ المنافقون) بشنّ الهجوم الكاسح، وإلقاء بذور الفساد والاختلاف بين المسلمين.
 كما أنّ مصالح الاَُمّة كانت توجب أن تتوحّد صفوف المسلمين في مواجهة الخطر الخارجي، وذلك بتعيين قائد سياسي من بعده، وبذلك يسدّ الطريق على نفوذ العدو في جسم الاَُمّة الاِسلامية والسيطرة عليها، وعلى مصيرها.وإليك بيان وتوضيح هذا المطلب:
 لقد كانت الاِمبراطورية الرومانيّة أحد أضلاع الخطر المثلّث الذي يحيط بالكيان الاِسلامي، ويهدّده من الخارج والداخل، وكانت هذه القوّة الرهيبة تتمركز في شمال الجزيرة العربية، وكانت تشغل بال النبي القائد على الدوام، حتّى إنّ التفكير في أمر الروم لم يغادر ذهنه وفكره حتّى لحظة الوفاة، والالتحاق بالرفيق الاَعلى.
 وكانت أوّل مواجهة عسكرية بين المسلمين والجيش المسيحي الرومي وقعت في السنة الثامنة من الهجرة في أرض فلسطين، وقد أدّت هذه المواجهة إلى استشهاد القادة العسكريين البارزين الثلاثة وهم: «جعفر الطيار» و «زيد بن حارثة» و «عبد الله بن رواحة»، ولقد تسبّب انسحاب الجيش الاِسلامي بعد استشهاد القادة المذكورين إلى تزايد جرأة الجيش القيصري المسيحي، فكان يخشى بصورة متزايدة أن تتعرّض عاصمة الاِسلام للهجوم الكاسح من قبل هذا الجيش.
 من هنا خرج رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ في السنة التاسعة للهجرة على رأس جيش كبير جدّاً إلى حدود الشام ليقود بنفسه أيّة مواجهة عسكرية، وقد استطاع الجيش في هذا الرحلة الصعبة المضنية أن يستعيد هيبته الغابرة، ويجدّد حياته السياسية.
 غير أنّ هذا الانتصار المحدود لم يقنع رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _، فأعدّ قُبيل مرضه جيشاً كبيراً من المسلمين، وأمّر عليهم «أُسامة بن زيد»، وكلّفهم بالتوجّه إلى حدود الشام، والحضور في تلك الجبهة.
 أمّا الضلع الثاني من المثلث الخطير الذي كان يهدّد الكيان الاِسلامي، فكان الاِمبراطورية الاِيرانية (الفارسية) وقد بلغ من غضب هذه الاِمبراطورية على رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ ومعاداتها لدعوته، أن أقدم إمبراطور إيران «خسرو برويز» على

تمزيق رسالة النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _، وتوجيه الاِهانة إلى سفيره بإخراجه من بلاطه، والكتابة إلى واليه وعامله على اليمن بأن يوجّه إلى المدينة من يقبض على رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _، أو يقتله إن امتنع.
 و«خسرو» هذا وإن قتل في زمن رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ إلاّ أنّ استقلال اليمن ـ التي رزخت تحت استعمار الامبراطورية الاِيرانية ردحاً طويلاً من الزمان ـ لم يغب عن نظر ملوك إيران آنذاك، وكان غرور أُولئك الملوك وتجبّـرهم وكبرياؤهم لا يسمح بتحمّل منافسة القوة الجديدة (القوة الاِسلامية) لهم.
 والخطر الثالث كان هو خطر حزب النفاق الذي كان يعمل بين صفوف المسلمين كالطابور الخامس على تقويض دعائم الكيان الاِسلامي من الداخل إلى درجة أنّهم قصدوا اغتيال رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ في طريق العودة من تبوك إلى المدينة.
 فقد كان بعض عناصر هذا الحزب الخطر يقول في نفسه: إنّ الحركة الاِسلامية سينتهي أمرها بموت رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ ورحيله، وبذلك يستريح الجميع(32).
 ولقد قام أبو سفيان بن حرب بعد وفاة رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ بمكيدة مشؤومة لتوجيه ضربة إلى الاَُمّة الاِسلامية من الداخل، وذلك عندما أتى علياً _ عليه السلام _ وعرض عليه أن يبايعه ضدّ من عيّنه رجال السقيفة، ليستطيع بذلك تشطير الاَُمّة الاِسلامية الواحدة إلى شطرين متحاربين متقاتلين، فيتمكّن من التصيّد في الماء العكر.
 ولكنّ الاِمام علياً _ عليه السلام _ أدرك بذكائه البالغ نيّات أبي سفيان الخبيثة، فرفض مطلبه وقال له كاشفاً عن دوافعه ونيّاته الشريرة:
 «والله ما أردت بهذا إلاّ الفتنة، وإنّك ـ والله ـ طالما بغيت للاِسلام شرّاً. لاحاجة لنا في نصيحتك»(33).
  ولقد بلغ دور المنافقين التخريبي من الشدّة بحيث تعرّض القرآن لذكرهم في سور عديدة هي: سورة آل عمران، والنساء، والمائدة، والاَنفال، والتوبة، والعنكبوت، والاَحزاب، ومحمّد _ صلى الله عليه وآله وسلم _، والفتح، والمجادلة، والحديد، والمنافقون، والحشر.
  فهل مع وجود مثل هؤلاء الاَعداء الخطرين والاَقوياء الذين كانوا يتربّصون بالاِسلام الدوائر، ويتحيّنون الفرص للقضاء عليه، يصحّ أن يترك رسول الله أُمّته الحديثة العهد بالاِسلام، الجديدة التأسيس من دون أن يعيّـن لهم قائداً دينياً سياسياً؟!!
 إنّ المحاسبـات الاجتماعية تقول: إنّه كـان من الواجـب أن يمنـع رسـول الاِسلام بتعييـن قائـد للاَُمّة،... من ظهور أيّ اختلاف وانشقاق فيها من بعده، وأن يضمن استمرار وبقاء الوحدة الاِسلامية بإيجاد حصن قويّ وسياج دفاعي متين حول تلك الاَُمّة.
 إنّ تحصين الاَُمّة، وصيانتها من الحوادث المشؤومة، والحيلولة دون مطالبة كلّ فريق «الزعامة» لنفسه دون غيره، وبالتالي التنازع على مسألة الخلافة والزعامة، لم يكن ليتحقّق، إلاّ بتعيين قائد للاَُمّة، وعدم ترك الاَُمور للاَقدار.
 إنّ هذه المحاسبة الاجتماعية تهدينا إلى صحّة نظرية «التنصيص على القائد بعد رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _» ولعلّ لهذه الجهة ولجهات أُخرى طرح رسول الاِسلام مسألة الخلافة في الاَيام الاَُولى من ميلاد الرسالة الاِسلامية، وظلّ يواصل طرحها والتذكير بها طوال حياته حتّى الساعات الاَخيرة منها، حيث عيّـن خليفته ونصّ عليه بالنصّ القاطع الواضح الصريح في بدء دعوته، وفي نهايتهاأيضاً.
 وإليك بيان كلا هذين المقامين:
  1 ـ النبوّة والاِمامة توأمان:
بغضّ النظر عن الاَدلّة العقلية والفلسفية التي تثبت صحّة الرأي الاَوّل بصورة قطعيّة، هناك أخبار وروايات وردت في المصادر المعتبرة تثبت صحّة الموقف والرأي الذي ذهب إليه علماء الشيعة وتصدّقه، فقد نصّ النبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ على خليفته من بعده في الفترة النبوية من حياته مراراً وتكراراً، وأخرج موضوع الاِمامة من مجال الانتخاب الشعبي والرأي العام.
 فهو لم يعيّـن (ولم ينصّ على) خليفته ووصيّه من بعده في أُخريات حياته فحسب، بل بادر إلى التعريف بخليفته ووصيّه منذ بدء الدعوة يوم لم ينضو تحت راية رسالته بعدُ سوى بضعة عشر من الاَشخاص، وذلك يوم أُمر من جانب الله العليّ القدير أن ينذر عشيرته الاَقربين من العذاب الاِلـهي الاَليم، وأن يدعوهم إلى عقيدة التوحيد قبل أن يصدع برسالته للجميع، ويبدأ دعوته العامة للناس كافة.
 فجمع أربعين رجلاً من زعماء بني هاشم وبني المطلّب، ثمّ وقف فيهم خطيباً فقال:
 
 «أيّكم يؤازرني على هذا الاَمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتيفيكم؟»
 فأحجم القوم، وقام عليّ _ عليه السلام _ وأعلن مؤازرته وتأييده له، فأخذ رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ برقبته، والتفت إلى الحاضرين، وقال:
 «إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم»(34).
 وقد عرف هذا الحديث عند المفسّـرين والمحدّثين: بـ «حديث يوم الدار» و«حديث بدء الدعوة».

على أنّ رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ لم يكتف بالنصّ على خليفته في بدء رسالته، بل صرّح في مناسبات شتّى في السفر والحضر، بخلافة عليّ _ عليه السلام _ من بعده، ولكن لا يبلغ شيء من ذلك في الاَهمية والظهور والصراحة والحسم ما بلغه حديث الغدير.
 

2 ـ قصة الغدير:
 لمّا انتهت مراسم الحجّ، وتعلّم المسلمون مناسك الحجّ من رسول الله، قرّر رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ الرحيل عن مكّة، والعودة إلى المدينة، فأصدر أمراً بذلك، ولمّا بلغ موكب الحجيج العظيم إلى منطقة «رابغ»(35)التي تبعد عن «الجحفة»(36)بثلاثة أميال، نزل أمين الوحي جبرئيل على رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _بمنطقة تدعى «غدير خم»، وخاطبه بالآية التالية:
  (يأيُّها الرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك وإنْ لمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتهُ وَالله يَعْصِمُك مِنَ النّاسِ )(37).
  إنّ لسان الآية وظاهرها يكشف عن أنّ الله تعالى ألقى على عاتق النبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ مسؤولية القيام بمهمّة خطيرة، وأيّ أمر أكثر خطورة من أن ينصّب علياً _ عليه السلام _ لمقام الخلافة من بعده على مرأى ومسمع من مائة ألف شاهد؟!
  من هنا أصدر رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ أمره بالتوقّف، فتوقّف طلائع ذلك الموكب العظيم، والتحق بهم من تأخر.
  لقد كان الوقت وقت الظهيرة، وكان المناخ حارّاً إلى درجة كبيرة جّداً، وكان الشخص يضع قسماً من عباءته فوق رأسه والقسم الآخر منها تحت قدميه، وصنع للنبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ مظلّة، وكانت عبارة عن عباءة أُلقيت على أغصان شجرة (سمرة)، وصلّى


رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ بالحاضرين الظهر جماعة وفيما كان الناس قد أحاطوا به صعد _ صلى الله عليه وآله وسلم _على منبر أُعدّ من أحداج الاِبل وأقتابها، وخطب في الناس رافعاً صوته، وهو يقول:
 
 «الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكّل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضلّ، ولا مضلّ لمن هدى، وأشهد أن لا إلـه إلاّ هو، وأنّ محمداً عبده ورسوله.
 أمّا بعد؛ أيّها الناس إنّي أُوشك أن أُدعى فأُجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟»
 
 قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً.
 قال _ صلى الله عليه وآله وسلم _: «ألستم تشهدون أن لا إلـه إلاّ الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور؟»
 قالوا: بلى نشهد بذلك.
 قال _ صلى الله عليه وآله وسلم _: «اللّهمّ اشهد».
 ثمّ قال _ صلى الله عليه وآله وسلم _: «وإنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبداً».
 فنادى منادٍ: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله، وما الثقلان؟
 قال _ صلى الله عليه وآله وسلم _: «كتاب الله سبب طرف بيد الله، وطرف بأيديكم، فتمسّكوا به؛ والآخر عترتي، وإنّ اللّطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا».
 وهنا أخذ بيد عليّ _ عليه السلام _ ورفعها، حتى رؤي بياض آباطهما، وعرفه الناس أجمعون ثمّ قال:
  «أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟»
  قالوا: الله ورسوله أعلم.

فقال _ صلى الله عليه وآله وسلم _:
  «إنّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعليّ مولاه(38).
  اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأحب من أحبّه، وابغض من بغضه، وأدر الحق معه حيث دار»(39).
  فلمّا نزل من المنبر، استجازه حسّان بن ثابت شاعر عهد الرسالة في أن يفرغ ما نزل به الوحي في قالب الشعر، فأجازه الرسول، فقام وأنشد:
 
يناديهم يوم الغدير نبيّهم .. بخمّ وأكرم بالنبيّ مناديا
  يقول فمن مولاكم ووليّكم .. فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
  إلهك مولانا وأنت وليّنا .. ولم ترَ منّا في الولاية عاصيا
  فقال له قم يا عليّ فإنّني .. رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
  فمن كنت مولاه فهذا وليّه .. فكونوا له أنصار صدقٍ ومواليا
 هناك دعا: اللّهمّ! وال وليّه .. وكن للذي عادى عليّاً معاديا

 
مصادر الواقعة:
 هذه هي واقعة الغدير استعرضناها لك على وجه الاِجمال، وهي بحقّ واقعة لايسوغ لاَحد إنكارها بأدنى مراتب التشكيك والقدح، فقد تناولها بالذكر أئمّة المؤرّخين أمثال: البلاذري، وابن قتيبة، والطبري، والخطيب البغدادي، وابن عبدالبرّ، وابن عساكر، وياقوت الحموي، وابن الاَثير، وابن أبيالحديد، وابنخلّكان، واليافعي، وابن كثير، وابن خلدون، والذهبي، وابن حجر العسقلاني، وابن الصباغ المالكي، والمقريزي، وجلال الدين السيوطي، ونور الدين الحلبي إلى غير ذلك من المؤرّخين الذين جادت بهم القرون والاَجيال.
 كما ذكره أيضاً أئمّة الحديث أمثال: الاِمام الشافعى، وأحمد بن حنبل، وابن ماجة، والترمذي، والنسائي، وأبو يعلي الموصلي، والبغوي، والطحّاوي، والحاكم النيسابوري، وابن المغازلي، والخطيب الخوارزمي، والكنجي، ومحبّالدين الطبري، والحمويني، والهيثمي، والجزري، والقسطلاني، والمتقي الهندي، وتاجالدين المناوي، وأبوعبدالله الزرقاني، وابن حمزة الدمشقي إلى غير ذلك من أعلام المحدّثين الذين يقصر المقال عن عدّهم وحصرهم.
 كما تعرّض له كبار المفسرين، فقد ذكره: الطبري، والثعلبي، والواحدي ـ في أسباب النزول، والقرطبي، وأبو السعود، والفخر الرازي، وابن كثير الشامي، والنيسابوري، وجلالالدين السيوطي، والآلوسي، والبغدادي.
 وذكره من المتكلّمين طائفة جمّة في خاتمة مباحث الاِمامة وإن ناقشوا نقضاً وإبراماً في دلالته كالقاضي أبي بكر الباقلاني في تمهيده، والقاضي عبد الرحمن الاِيجي في مواقفه، والسيد الشريف الجرجاني في شرحه، وشمس الدين الاَصفهاني في مطالع الاَنوار، والتفتازاني في شرح المقاصد، والقوشجي في شرح التجريد إلى غير ذلك من المتكلّمين الذين تعرّضوا لحديث الغدير وبحثوا حول دلالته ووجه الحجّة فيه.
 

واقعة الغدير ورمز الخلود:
 أراد المولى عزّوجلّ أن يبقى حديث الغدير غضّاً طرياً على مرّ الاَجيال لم يُكدّر صفاء حقيقته الناصعة تطاول الاَحقاب، وكرّ الاَزمان، وانصرام الاَعوام، ويرجع ذلك إلى أُمور ثلاثة:


1 ـ إنّ النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ قد هتف به في مزدحم غفير يربو على عشرات الآلاف عند منصرفه من الحجّ الاَكبر، فنهض بالدعوة والاِعلان، وحوله جموع من وجوه الصحابة وأعيان الاَُمّة، وأمر بتبليغ الشاهد الغائب ليكونوا كافّة على علم وخبر بما تمّ إبلاغه.
 2 ـ إنّ الله سبحانه قد أنزل في تلك المناسبة آيات تلفت نظر القارىَ إلى الواقعة عندما يتلوها وإليك الآيات:
 أ ـ «يا أيُّها الرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك وإنْ لمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ»(40).
 وقد ذكر نزولها في واقعة الغدير طائفة من المفسّـرين يربو عددهم على الثلاثين، وقد ذكر العلاّمة البحّاثة المحقّق الاَميني في كتاب « الغدير » نصوص عبارات هؤلاء، فمن أراد الاطلاع عليها، فليرجع إليه.
 ب ـ «اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِسْلامَ دِيناً»(41).
 وقد نقل نزول الآية جماعة منهم يزيدون على ستّة عشر.
 ج ـ «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ الله ذِي المَعارِج»(42).
 وقد ذكر أيضاً نزول هذه الآية جماعة من المفسّـرين ينوف على الثلاثين، أضف إلى ذلك أنّ الشيعة عن بكرة أبيهم متّفقون على نزول هذه الآيات الثلاث في شأن هذه الواقعة(43).
3 ـ إنّ الحديث منذ صدوره من منبع الوحي، تسابقت الشعراء والاَُدباء على نظمه، وإنشاده في أبيات وقصائد امتدّت رقعتها منذ عصر انبثاق ذلك النصّ في تلك المناسبة إلى عصرنا هذا، وبمختلف اللغات والثقافات، وقد تمكّن البحّاثة المتضلّع العلاّمة الاَميني من استقصاء وجمع كلّ ما نظم باللغة العربية حول تلك الحادثة، والمؤمّل والمنتظر من كافّة المحقّقين على اختلاف ألسنتهم ولغاتهم استنهاض هممهم لجمع ما نظم وأُنشد في أدبهم الخاص.
 وحصيلة الكلام: قلّما نجد حادثة تاريخية حظيت في العالم البشري عامّة، وفي التاريخ الاِسلامي والاَُمّة الاِسلامية خاصّة بمثل ما حظيت به واقعة الغدير، وقلّما استقطبت اهتمام الفئات المختلفة من المحدّثين والمفسّـرين والكلاميّين والفلاسفة والاَُدباء والكتّاب والخطباء وأرباب السير والمؤرّخين كما استقطبت هذه الحادثة، وقلّما اعتنوا بشيء مثلما اعتنوا بها.
  هذا ويستفاد من مراجعة التاريخ أنّ يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام كان معروفاً بين المسلمين بيوم عيد الغدير، وكانت هذه التسمية تحظى بشهرة كبيرة إلى درجة أنّ ابن خلّكان يقول حول «المستعلي ابن المستنصر»:
  «فبويع في يوم غدير خمّ؛ وهو الثامن عشر من شهر ذيالحجّة سنة 487هـ»(44).
 وقال في ترجمة المستنصر بالله، العبّاسي: «وتوفّي ليلة الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذيالحجّة سنة سبع وثمانين وأربعمائة، قلت: وهذه هي ليلة عيد الغدير، أعني ليلة الثامن عشر من شهر ذي الحجّة، وهو غدير خمّ»(45).
 وقد عدّه أبو ريحان البيروني في كتابه «الآثار الباقية ممّا استعمله أهل الاِسلام من الاَعياد»(46).
  وليس ابن خلّكان، وأبو ريحان البيروني، هما الوحيدين اللّذين صرّحا بكون هذا اليوم هو عيد من الاَعياد، بل هذا الثعالبي قد اعتبر هو الآخر ليلة الغدير من الليالي المعروفة بين المسلمين(47).
  إنّ عهد هذا العيد الاِسلامى، وجذوره ترجع إلى نفس يوم «الغدير»؛ لاَنّ النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ أمر المهاجرين والاَنصار، بل أمر زوجاته ونساءه في ذلك اليوم بالدخول على عليّ _ عليه السلام _ وتهنئته بهذه الفضيلة الكبرى.
  يقول زيد بن أرقم: كان أوّل من صافح النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ وعليّاً: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وباقي المهاجرين والاَنصار، وباقي الناس(48).
 فالحمد لله الذي جعلنا من المتمسّكين بولاية عليّ بن أبي طالب _ عليه السلام _ .
 
شذرات من فضائله
 يطيب لي أن أُشير إلى بعض خصائصه قياماً ببعض الوظيفة تجاه ما له من الحقوق على الاِسلام والمسلمين عامّة، فنقول: إنّ له خصائص لم يشاركه فيها أحد:
 1 ـ ولادته في جوف الكعبة.
 2 ـ احتضان النبيّ الاَكرم _ صلى الله عليه وآله وسلم _ له منذ صغره.
 3 ـ سبقه الجميع في الاِسلام.
  4 ـ مؤاخاة النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ له من دون باقي الصحابة.


5 ـ حمله من قبل النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ على كتفه لطرح الاَصنام الموضوعة في الكعبة.
  6 ـ استمرار ذريّة رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ من صلبه.
  7 ـ بصاق النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ في عينيه يوم خيبر، ودعاؤه له بأن لا يصيبه حرّ ولا قرّ.
  8 ـ إنّ حبّه إيمان وبغضه نفاق.
  9 ـ إنّ النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ باهل النصارى به وبزوجته وأولاده دون سائر الاَصحاب.
  10 ـ تبليغه سورة براءة عن النبىّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _.
 11 ـ إنّ النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ خصّه يوم الغدير بالولاية.
  12 ـ إنّه القائل: «سلوني قبل أن تفقدوني».
  13 ـ إنّ النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ خصّه بتغسيله وتجهيزه والصلاة عليه.
  14 ـ إنّ الناس جميعاً من أرباب الاَديان، وغيرهم ينظرون إليه كأعظم رجل عرفه التاريخ(49).
 


 لم يكن الاِمام علي _ عليه السلام _ بصفته بشراً بمستثنى من هذه القاعدة؛ فقد ورث الاِمام أمير المؤمنين _ عليه السلام _ جانباً كبيراً من شخصيته النفسية والروحية والاَخلاقية من هذه العوامل والطرق الثلاثة، وإليك تفصيل ذلك:
 

  تعود شخصية كلّ إنسان ـ حسب مايرى علماء النفس ـ إلى ثلاثة عوامل هامّة لكلّ منها نصيب وافر في تكوين الشخصية وأثر عميق في بناء كيانها.
 وكأنّ الشخصية الاِنسانية لدى كل إنسان أشبه بمثلث يتألّف من اتّصال هذه الاَضلاع الثلاثة بعضها ببعض، وهذه العوامل الثلاثة هي:
 1 ـ الوراثة.
 2 ـ التعليم والثقافة.
 3 ـ البيئة والمحيط.
 إنّ كلّ ما يتّصف به المرء من صفات حسنة أو قبيحة، عالية أو وضيعة تنتقل إلى الاِنسان عبر هذه القنوات الثلاث، وتنمو فيه من خلال هذه الطرق.
 وإنّ الاَبناء لا يرثون منّا المال والثروة والاَوصاف الظاهرية فقط كملامح الوجه ولون العيون وكيفيات الجسم، بل يرثون كلّ ما يتمتّع به الآباء من خصائص روحية وصفات أخلاقية عن طريق الوراثة كذلك.
 فالاَبوان ـ بانفصال جزئي «الحويمن» و «البويضة» المكوّنين للطفل منهما ـ إنّما ينقلان ـ في الحقيقـة ـ صفاتهما ملخّصة إلى الخلية الاَُولى المكوّنة من ذينك الجزأين، تلك الخلية الجنينية التي تنمو مع ما تحمل من الصفات والخصوصيات الموروثة.
 ويشكّل تأثير الثقافة والمحيط، الضلعين الآخرين في مثلث الشخصية الاِنسانية، فإنّ لهذين الاَمرين أثراً مهمّاً وعميقاً في تنمية السجايا الرفيعة المودعة في باطن كل إنسان بصورة فطرية جبليّة أو الموجودة في كيانه بسبب الوراثة من الاَبوين.


(1) راجع مسند أحمد 1: 331 و5: 182 ـ 189، حلية الاَولياء 1: 62 ـ 68؛ الغدير 2: 33.

(2) مجمع البيان 4: 37.



(3) كشف الغمّة 1: 60.
(4) مروج الذهب 2: 349، شرح الشفاء للقاضي عياض1: 151 وغيرهما، وقد أفرد العلاّمة الاُردوبادي رسالة في هذه المنقبة وسمّاها: عليّ وليد الكعبة.
(5) شرح عينية عبدالباقي العمري: 15.
(6) الغدير 6: 22.
(7) كشف الغمة 1: 60.
(8) نهج البلاغة، الخطبة (192) المسمّاة بالخطبة القاصعة.

(9) بحار الاَنوار 35: 44، وسيرة ابن هشام 1: 246.
(10) نهج البلاغة ـ شرح عبده ـ 2: 182.
(11) ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة 13: 208.
(12) نهج البلاغة: الخطبة القاصعة الرقم 187.
(13) المصدر نفسه.

(14) ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة 13: 310.
(15) نهج البلاغة: الخطبة القاصعة الرقم 187.
(16) الاِمام على صوت العدالة الاِنسانية 1: 37.


(17) الغدير 6: 38 ط النجف.
(18) الاِمام علي صوت العدالة الاِنسانية 1: 49.
(19) الاِسراء: 93.

(20) الاَعراف:57.
(21) أخرجه الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخه 4: 410.
(22) أخرجه الحافظ أبو نعيم في حلية الاَولياء 1: 86.
(23) مناقب أحمد لابن الجوزي الحنبلي: 163.
(24) تفسير مفاتيح الغيب 1: 205.
(25) المصدر نفسه: 204.
(26) شواهد التنزيل1: 108 ح 153.
(27) مسند أحمد1: 190، تاريخ الخلفاء: 171.
(28) الصواعق المحرقة، الباب التاسع، الفصل الثالث: 76.
(29) تاريخ الخلفاء: 172

(30) ميزان الاعتدال 1: 484.

(31) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 18: 225 وغيره.


(32) أشارت إلى ذلك الآية الكريمة 30 من سورة الطور: صأم يقولون شاعرٌ نتربّصُ به ريبَ المنونش.
(33) الكامل في التاريخ 2: 222، العقد الفريد 2: 249.
(34) تاريخ الطبري 2: 216، الكامل في التاريخ 2: 62 و 63، وقد مرّ مفصّلاً في هذه الدراسة فراجع.
(35) رابغ تقع الآن على الطريق بين مكّة والمدينة.
(36) من مواقيت الاِحرام وتنشعب منها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين.
(37) المائدة: 67.

(38) لقد كرّر النبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ هذه العبارة ثلاث مرات دفعاً لاَيّ التباس أو اشتباه.
(39) راجع للوقوف على مصادر هذا الحديث المتواتر موسوعة الغدير للعلاّمة الاَميني؛.
(40) المائدة: 67.
(41) المائدة: 3.
(42) المعارج: 1ـ3.
(43) راجع في شأن نزول هذه الآيات كتاب الغدير 1: 214 و 217.

(44) وفيات الاَعيان 1: 60.
(45) المصدر نفسه.

(46) ترجمة الآثار الباقية: 395، الغدير 1: 267.
(47) ثمار القلوب: 511.
(47) راجع مصدره في الغدير 1: 270.

(49) قد استخرج هذه الخصائص الكاتب القدير محمّد جواد مغنية ـ رحمه الله ـ في كتابه: الشيعة والتشيّع: 234.
Powered by: InnoPortal Plus 1.2 - Developed by: InnoFlame.com